HOME
من هم المؤرخون المراجعون
ولماذا يجب أن تعنينا "المحرقة" اليهوديةد. إبراهيم ناجي علوش
إهداء ووداع
أودري بينكي (Audre Pinque) والاتّجاه الصّحيح إلى فلسطين
توفيت الإعلامية ماكينزي بين (MacKenzie Paine) , واسمها الحقيقي أودري بينكي Audre Pinque, في الساعة السادسة والنصف من مساء 12 مارس/آذار , 2002 , في حادث سيّارة مفجع في ولاية ألاباما الأمريكية. وبوفاتها، خسر الفلسطينيّون والعرب والمسلمون، ومؤيّدو الحريّة والعدل في كلّ أنحاء العالم، مؤيّداً شديداً لهم وناشطة لا تكل.
كانت أودري بينكي مؤرخة مراجعة صريحة وجسورة , وشخصيّة نشطة، أجرت العديد من الاتصالات، وبشكل مستمر، مع العديد من الجهات، لخدمة القضية الفلسطينية. وفي ذلك، أسهمت أودري بينكي بفاعلية في بناء علاقات وثيقة بين المؤرخين المراجعين، والناشطين الفلسطينيين بوجه عام، ومجلة الصوت العربي الحر بوجه خاص. وقد أثنى الكثير من المؤرخين المراجعين على أودري بينكي آنذاك لإنشاء تلك العلاقة.
وهكذا كان، وقُبيل وفاتها بساعات قليلة فقط، أرسلت لي أودري هذا البريد الإلكتروني ردّا على رسالة لي على الإنترنت بعنوان: المساعدة! اعتقالات في الأردن:
عزيزي إبراهيم:
لقد جمعت مبلغا كاف من المال تقريبا للمجيء لتغطية هذا التاريخ شخصيا، وللاهتمام ببعض المسائل الشخصية. جيم لا يستطيع الذهاب معي، لذا سأذهب وحدي. إذا سافرتُ إلى عمان، هل تستطيع الالتقاء بي، وهل لك أن تدلّني على الطريق الصحيح إلى فلسطين؟
أودري.
بعد قراءتي لهذه الرسالة مرارا وتكرارا، لم أستطع إلا أن أتساءل:
ما هي هذه المسائل الشخصية لدى أودري في هذا الجزء من العالم؟ وبالنهاية، هل يمكن أن يكون للناشطين المتفانين اهتمامات سياسية هي ليست نفسها اهتمامات شخصية أيضا؟!
ولكن، وبعد إعادة قراءتي لهذه الجملة "... هل لك أن تدلّني على الطريق الصحيح لفلسطين؟" خطرت ببالي فجأة هذه الفكرة: ألا يستحق أن يبجل الإنسان وتخّلد ذكراه فقط لأجل تلك الكلمات إذا كانت آخر ما كتبه قبل وفاته؟
لكنّ أودري كانت تعرف الطريق الصحيح المؤدي إلى فلسطين.
ففي حلقات النقاش الفلسطينية على الشبكة العالمية أو الإنترنت، مثل قائمة فلسطين الحرة (Free Palestine)، دعت أودري كل شريف في العالم علانية إلى ممارسة الكفاح المسلح كوسيلة للتحرير ضد الصهاينة الغزاة، في حين تقاعس الآخرون، وبعضهم من الفلسطينيين، في الدفاع عن فكرة القتال من أجل التحرير.
وهكذا، تناولت أودري بينكي بشكل متواصل مسألتين هما نقطتا الضعف الرئيسيتين لدى الصهاينة واللتان تؤلمانهم بشكل كبير. هاتان المسألتان هما:
- "الهولوكوست" أو "المحرقة"، التي ساهمت في كشف حقيقتها كمجموعة من الأساطير تخدم برنامجا سياسيا معينا. لقد آمنت أودري بينكي كما آمن العديد منا بأنّ هذا الجهد لكشف زيف "المحرقة" سيزيل المبرّر الأيديولوجيّ للكيان "الإسرائيلي" الذي يصور على أنه ملاذ آمن لليهود من "معاداة السّاميّة" في هذا العالم ! ومعًا , فقد آمنا أيضا بأنّ فضح أساطير "المحرقة" يساهم في إزالة الأداة السّياسيّة للابتزاز الصهيونيّ ضدّ الرّأي العامّ الغربيّ , ومن ذلك المساندة الغربيّة "لإسرائيل" . وقد أكدنا بأنّ هذه الجهود أيضًا تحول دون سيطرة الحقّ الأخلاقيّ الصّهيونيّ المزعوم الرامي لجعله دوما فوق القانون تحت الحجّة المريبة بتميّز "المحرقة" في التّاريخ البشريّ .
- الكفاح المسلح الفلسطيني. لقد صرّحت أودري، وبأعلى صوتها، بأن المقاومة المسلّحة الفلسطينية مبرّرة لأنها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، ولم تتردد عن هذا النهج حتى النهاية. وعندما نشرتُ رسالة بالعربية على الشبكة العالمية لم تستطع أودري قراءتها، عن احتجاج وقع في عمان تم بعده اعتقال بضعة ناشطين، كتبت لي وهي شبه جادة: "آمل أن تكون هذه دعوة لامتشاق السلاح...". وبخلاف الكثيرين، فقد عرفت أودري في صميم قلبها بأنّ كل عملية عسكرية فلسطينية ناجحة سوف تقنع "الإسرائيليين" بمدى فشل أساليبهم مائة مرة أكثر من كل المناشدات الفارغة التي تدعو للتعايش السلمي في العقود الثّلاثة الماضية مجتمعة. وفيما بعد، لم تتجنب أودري بينكي من إسداء النصائح للفلسطينيين على القوائم الإلكترونية، حول بعض النواحي العسكرية للصراع، وباسمها الحقيقي.
لقد أرسلت أودري بينكي بشكل منتظم عدة مقالات سياسية مناهضة للصهيونية في سلسلة بعنوان "صواريخ تبحث عن الحقيقة"، تم نشر أحدها في الماضي من خلال قائمة البريد الإلكتروني لجمعية مناهضة الصّهيونيّة والعنصريّة في عمّان، نقتطفها أدناه لإعطاء أولئك الذين لا يعرفون من هي ماكينزي بين ( الاسم الحركي ) لمحة عنها وعما تمثله في المعركة الإعلامية ضد الحركة الصهيونية، التي كانت تلقبها، احتقاراً لأساليبها، "الفتوة".
وفي أعقاب حظر مؤتمر بيروت حول المراجعة التاريخية والصهيونية في مارس 2001، بقيت أودري بينكي على تواصل مع مجريات الأمور في الأردن، فيما حاولت رابطة الكتّاب الأردنيين عدة مرات إقامة ندوة حول مؤتمر المؤرخين المراجعين المحظور في بيروت إلى أن نجحت.
خلال تلك الفترة، أرسلت لنا ماكينزي بين عدة رسائل دعم بشكل يومي تقريبا، وكانت كريمة دائما في اقتراحاتها وتشجيعها وروحها.
لقد حثّت أودري الناشطين دائما على عمل أكثر وإنجاز أسرع. فهي ما عرفت الخوف يوما ولا التردد. إنّنا ستفتقد أودري بشدة في المعارك الإعلامية والسياسية القادمة ضد الصهاينة وأعوانهم. فها أنا الآن أقدم ألف تحية فلسطينية عربية لروحها الشجاعة والحيوية والمحبة، بالنيابة عن كل أولئك الذين عرفوها وقدّروها.
كما أنني أهدي هذه الكراسة التي كتبتها حول المراجعة التاريخية و"المحرقة" إلى ذكرى ماكينزي بين.
طيّب الله ثراها.
مع احترامي وتقديري،
د. إبراهيم علّوش