حكام
المغرب العربي في
خدمة إسائيل
بقلم
يحي
أبوزكريا
ستوكهولم
إختراقات الموساد في المغرب العربي! لم تصبح منطقة المغرب العربي تحت المجهر اليهودي – الموسادي على وجه التحديد- بسبب التواجد الكبير للفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة بيروت متوجهين إلى دول المغرب العربي , بل إنّ منطقة المغرب العربي كانت مرصودة بسبب مواقف بعض دولها من الدولة العبرية و مشاركتها بقوة في الحروب العربية- الإسرائيلية . وقد استطاعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية و بفضل الوجود اليهودي الغزير في منطقة المغرب العربي من إقامة شبكات استطاعت أن تمد الدولة العبرية بأدق التفاصيل حول قضايا عديدة .وعندما استقرت منظمة التحرير الفلسطينية في تونس ازداد نشاط الأجهزة الأمنية في منطقة المغرب العربي وما لم يكونوا يتمكنون منه عبر شبكتهم كانوا يحصلون على ما يريدونه من معلومات من خلال المخابرات الفرنسية التي اخترقت المخابرات المغاربية وتحديدا في الجزائر وتونس والمغرب . ففي تونس كلف الموساد الإسرائيلي سيدة مجتمع تونسية بعد أن تم توظيفها في عاصمة النور والملائكة باريس ,بفتح محل للحلاقة النسوية وتحول هذا المحل مع مرور الأيام إلى محط رحال زوجات المسؤولين التونسيين والفلسطينيين الموجودين في تونس وكانت هذه السيدة تقوم بتسجيل ما يتلفظن به من أسرار تتعلق بالوجود الفلسطيني في تونس أو بعض القرارات السياسية المزمع اتخاذها . ولم يكتف الموساد بالسيدة التونسية المذكورة بل عمل على شراء ذمم بعض الشخصيات السياسية في الخارجية التونسية للحصول على معلومات تتعلق بنشاط كافة التنظيمات الفلسطينية في تونس . و قد أعلنت الخارجية التونسية ذات يوم أنها سلمت للقضاء التونسي مديرا رفيع المستوى في الخارجية التونسية لتورطه في التعامل مع جهة أجنبية –الموساد الإسرائيلي - . وأستغل الموساد الوجود المكثف لليهود التونسيين الذين يتمتعون بحقوق المواطنة التونسية فورطّ بعضهم في جمع معلومات عن منظمة التحرير الفلسطينية ونشاطها العسكري والسياسي وقد أعتقلت السلطات التونسية ذات يوم اثنين من هؤلاء وأطلقت سراحهما بعد تدخل حاخام اليهود الأكبر في تونس لدى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .ومن الشخصيات الفلسطينية المهمة التي جرى اعتقالها في تونس الرجل الثاني في سفارة فلسطين في تونس عدنان ياسين الذي كلف من قبل الموساد الإسرائيلي بجمع معلومات عن مسودات محمود عباس –أبو مازن- وذلك قبل لقاء جرى بين محمود عباس – أبومازن وشمعون بيريز في القاهرة .وقد تفاجأ أبو مازن لكون شمعون بيريز كان على إطلاع كامل على تفاصيل الطروحات الفلسطينية المتعلقة باتفاق غزة-أريحا أولا .وقد طلب أبو مازن بإجراء مسح على مكتبه فتمّ الاكتشاف أن المصباح الموضوع على مكتب أبو مازن هو في حقيقته جهاز تصوير دقيق للغاية وعندما تمّ اعتقال عدنان ياسين تم العثور في بيته على حبر سري وأربعة أقلام تحتوي على أجهزة تنصت و أفادت المعلومات الأولية عندها أن عدنان ياسين جرى توظيفه في دولة غربية أثناء عرض زوجته التي كانت مصابة بسرطان المعدة على مستشفيات غربية وتم هذا التوظيف في بون وكانت الدفعة الأولى التي استلمها هي 10,000 دولار .كما جرى اعتقال العديد من الأمنيين بتهمة التجسس لصالح الموساد الاسرائيلي . وفي الجزائر نجحت فرقة كوماندوس إسرائيلية في تفجير سفن حربية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت راسية في ميناء مدينة عنابة الواقعة في الشرق الجزائري . وكان الموساد الإسرائيلي يوظف اليهود الجزائريين الذين منحتهم فرنسا جنسيتها عقب انتهاء حربها مع الجزائر و غادروا الجزائر مع القوات الفرنسية في 5 تموز – جويليا-1962 . وكان هؤلاء على علاقة بمسؤولين جزائريين كانوا يقيمون في فرنسا وكانوا محسوبين على حزب فرنسا في الجزائر وتركيز الموساد في الجزائر كان على أمور منها المعسكرات الفلسطينية في الجزائر , التسلح الجزائري , مفاعل عين وسارة الجزائري النووي , وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الشخصيات السياسية الجزائرية المحسوبة على التيار البربري واليساري والفرانكوفوني نسجت علاقات مع ضباط في الموساد وذلك في العاصمة الفرنسية باريس , وقد ضبطت السلطات الجزائرية حمولة أسلحة إسرائيلية موجهة من ميناء مارسيليا في جنوب فرنسا وإلى ميناء بجاية الجزائري والتيار السياسي المسيطر على بجاية هو التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري , ومن الشخصيات السياسية الجزائرية التي قتلت برشاش عوزي الإسرائيلي مدير المخابرات العسكرية الأسبق ورئيس الوزراء الجزائري الأسبق قاصدي مرباح . كما أن السلطات الجزائرية اعتقلت بعض الطلبة العرب الذين جرى توظيفهم لحساب الموساد وكان عملهم أن يجمعوا معلومات كافة المعلومات المتوفرة عن مفاعل عين وسارة النووي . وفي المغرب وجد اليهود الساحة مفتوحة والمجال أرحب وكانت علاقتهم بدوائر البلاط مباشرة , وكان أرباب الشركات الكبرى من اليهود وعندما يشاركون في المعارض الاقتصادية الدولية في الرباط كانوا يحظون بمآدب يقيمها لهم الراحل الملك الحسن الثاني .والذي كان يحاول على الدوام الجمع بين هؤلاء وشخصيات مالية من إحدى دول الخليج , وكانت الشخصيات اليهودية من أصل مغربي كديفيد ليفي وأيلي درعي وغيرهما دائما تجد كل الأجوبة عن كل التساؤلات العبرية , ويعتبر أندريه أزولاي مستشار الملك الراحل الحسن الثاني ومستشار الملك الحالي محمد السادس يهودي مغربي سبق له العمل في مصرف فرنسي كبير قبل أن يتحول إلى القصر الملكي في الرباط كمستشار سياسي وكان أحد أبرز الدافعين الى العلاقات العبرية-المغربية والحوار العربي – الإسرائيلي, وكانت مقررات القمم العربية و المداولات السرية تصل تباعا إلى تل أبيب عبر الرباط و ربما هذا ما جعل مراسل التايمز اللندنية في الرباط يقول : أنّ يهود المغرب أفضل حالا من السكان الأصليين !
في الوقت الذي يقتل فيه الفلسطينيون جملة وتفصيلا بفعل الغطرسة الصهيونيّة فانّ بعض الدول في المغرب العربي لا يعنيها البتّة ما يجري في الأرض المحتلة ويعنيها أمر الربح السريع القادم للأسف الشديد من الدولة العبريّة التي تدشّن يوميّا مقبرة جديدة للأبرياء الفلسطينيين في الأرض المحتلة . وقد كشفت مصادر في وزارة التجارة الجزائريّة أنّ شركة تجاريّة في شرقي الجزائر كانت على الدوام تصدّر النحاس والألمنيوم إلى الدولة العبريّة عبر قبرص , وقد استغلّت هذه الشركة تشجيع الدولة الجزائرية تصدير المواد الإنتاجيّة من غير النفط والغاز , وأفادت معلومات أوليّة أنّ أزيد من سبعين شخصا يصدرّون الألمنيوم والنحاس إلى إسرائيل التي تودع ثمن البضائع الموردّة في حسابات خاصة بهؤلاء في بنوك أوروبيّة , وقد أكدّ العاملون في هذا المجال أنّها ليست المرة الأولى التي يتمّ التعامل فيها مع الدولة العبريّة بل إنّ العمليّة التي كشفت عنها جريدة الخبر الجزائريّة وحصّة المحقق التلفزيونية في الجزائر تأتي بعد سلسلة من عمليات بيع بالجملة للألمنيوم والنحاس لإسرائيل , وحسب مصادر عليمة فانّ الجهات الرسمية كانت على علم بكل الصفقات وأنّ أصحاب هذه الصفقات لهم علاقة بالمافيا الجزائرية التي ازداد نفوذها في العشر سنوات الأخيرة التي قوامها ضباّط رفيعو المستوى وعناصر في الأجهزة الأمنية وسياسيون وأرباب أموال في الجزائر , وقد اعترف مدير عام الجمارك سيد علي لبيب بوجود مثل هذه الحالات لكن وبتعبيره لا يوجد قرار سياسي بتعريّة هذه الحالات , والعجيب أنّ النحاس والألمنيوم المباع لإسرائيل هو من بقايا سكك الحديد المسروقة والكابلات المسروقة والمصنوعة من النحاس , وحسب معلومات أكيدة فانّ المافيا المتورطة في هذه التجارة المشبوهة مع إسرائيل استغلّت الأزمة الأمنيّة في الجزائرية وراحت تفتح قنوات مع الدولة العبرية . وتأتي هذه الفضيحة التي كشفت عنها وسائل الإعلام الجزائرية بعد أن أفاد مراقبون في العاصمة الجزائرية أنّ واشنطن طلبت من الجزائر بعد مقابلة بوتفليقة – بوش في البيت الأبيض بتاريخ 12 تموز – يوليو الفائت إعادة فتح قنوات مع الدولة العبريّة . ومن الجزائر والى موريتانيا تجري ترتيبات عسكريّة بعيدة عن الضوء بين نواكشوط وتل أبيب لإجراء مناورات عسكريّة موريتانيّة - إسرائيليّة في محاولة من الدولة العبريّة لجعل موريتانيا كتركيا – تركيا خنجر إسرائيلي في جسد المشرق العربي وموريتانيا خنجر إسرائيلي في جسد المغرب العربي - , ومازالت الاتصالات نشيطة للغاية بين تل أبيب ونواكشوط وهناك صفقات بين العاصمتين متوسطة وبعيدة المدى , و هذا ما يجعل موريتانيا تغضّ الطرف عن الانتقادات العربيّة لأنّ الربح الذي تنتظره وفي نظرها يعّد أكبر من كل الذي جنته موريتانيا من علاقاتها العربيّة . وللسفارة العبريّة في موريتانيا نشاط كبير وخصوصا بعد أن دبّت البرودة بين نواكشوط والعواصم العربية بسبب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية موريتانيا الدا ولد عيدي إلى الدولة العبرية في العهد الشاروني , ويفيد مصدر موريتاني مطلّع أنّ الاتفاقات السريّة في المجال التجاري والصناعي والعسكري بين الدولة الموريتانيّة والدولة العبريّة كبير ومهم للغاية لكن لم يحن الوقت للإعلان عن هذه الاتفاقات للضرورات المعروفة . أمّا في المغرب فرغم إعلان المغرب عن تجميد مكتبه التمثيلي والديبلوماسي في تل أبيب فانّ سياسة القنوات المفتوحة مع الدولة العبريّة مازالت ساريّة , وانشغال المغاربة بالملفات الداخليّة كملف المهدي بن بركة حال بينهم وبين متابعة سلسلة الاتصالات السريّة خصوصا وأنّ لليهود المغاربة مصالح اقتصاديّة كبيرة ومن خلال المغرب يصدرون بضائع بلادهم إسرائيل إلى الدولة التي لا يوجد بينها وبين الدولة العبريّة علاقات سياسية وتجاريّة . وفي تونس فان وكالات السفر والساحة منشغلة بنقل الآلاف من الإسرائيليين من أراضي الأرض المحتلة في فلسطين وإلى تونس للحج إلى مقام غريبة في الساحل التونسي والذي ينتظر أن يشهد زيارات مكثّفة إلى المقام الذي يوليه اليهود أهميّة خاصة , والسلطة التونسيّة تعتبر ذلك جزءا من تنشيط صناعة السيّاحة . إنّ الدول المغاربيّة في إعلانها عن وقف الاتصالات مع الدولة العبريّة عقب وصول آرييل شارون إلى رئاسة الحكومة هو من باب رفع العذر , والواقع أنّ المصالح الماديّة للدول المغاربية التي مازالت قنواتها مفتوحة مع الدولة العبريّة هي أولى وأهمّ من كل الشهداء الذين يسقطون يوميّا في الأرض المحتلة , وربمّا من أجل كل الذي سلف لم تنبس العواصم المغاربيّة ببنت شفة في المذابح المتواصلة في الأرض المحتلة ضدّ الشعب الفلسطيني , وما ينطبق على المغرب العربي ينطبق على مشرقه , وتلك الكارثة التي جعلت كل الأوراق بيّد هولاكو عصره آرييل شارون !
تبدي الإدارة الأمريكية إهتماما مبالغا فيه بمنطقة المغرب العربي التي تعتبرها منطقة جيوسياسية وحساسة للغاية , وهي بمثابة خليج القارة الأفريقية لما فيها من ثروات باطنية لم يسثتمر الكثير منها , وهذا الاهتمام الأمريكي بالشمال الإفريقي ليس وليد الساعة , بل يعود إلى ما بعد الحرب الكونية الثانية عندما بدأت أمريكا تتطلّع إلى العالم الخارجي , وتقطع الطريق عن الإيديولوجيا الحمراء التي كانت تنشرها موسكو هنا وهناك , و عندما أستقلّت تونس قام الرئيس التونسي تاريخئذ الحبيب بورقيبة بزيارة واشنطن وألتقى بالرئيس الأمريكي ايزنهاور الذي طلب منه أن يعمل بورقيبة على إقامة تحالف بين الدول المغاربية وأمريكا من جهة أخرى , وبعد مضيّ أربعة عقود على هذه الفكرة عاودت واشنطن طرح الفكرة على أكثر من رئيس مغاربي ولكن هذه المرة على شكل شراكة أمريكية – مغاربية لقطع الطريق على مشروع الشراكة الأوروبية – المغاربية . وتجدر الإشارة إلى أنّ واشنطن تبدي حماسها الشديد لفكرة الاتحاد المغاربي , ومن أجل إحقاق المصالحة بين الدول المغاربية و ردم الهوّة فيما بينها تمّ تنظّيم ندوة دوليّة في واشنطن في الخامس من شهر نوفمبر – تشرين الثاني – في السنة الماضيّة حول الاستثمار في المغرب العربي وشارك في هذه الندوة كل من الجزائر والمغرب وتونس , وحسب الرسميين الأمريكيين فانّ هذه الندوة التي رعتها الإدارة الأمريكية تناولت العراقيل التي تحول دون تفعيل الاستثمار في منطقة المغرب العربي كما تناولت الندوة موضوع الخلافات السياسية بين دول الاتحاد المغاربي وسبل معالجتها , و قد أعقب هذا الاجتماع اجتماع أخر في شهر أبريل –نيسان – الماضي وكان الاجتماع الثاني بحضور ستيوارت ايزنستات مساعد كاتبة الدولة الأمريكية للخزينة و تناول اللقاء الثاني كيفية استثمار مليارين و نصف المليار من الدولارات في منطقة المغرب العربي , وقد وجّهت الدعوة لموريتانيا لحضور الندوة الثانية كملاحظ , وطالب هذا المسؤول الأمريكي أن تكون هناك وحدة بين الأقطار المغاربية معتبرا أن مثل هذه الوحدة ستخدم الاستثمار الأمريكي , ويرى مراقبون في المغرب العربي في هذا التوجه الأمريكي بأنّه لا يدخل في باب الحرص على الاتحاد المغاربي بقدر ما إنّ واشنطن تريد الكعكة المغاربية برمتها , فهي لا تريد أن تكون لها حصّة في الجزائر , ولفرنسا مثلا حصة في تونس وموريتانيا , فهي تريد الأخضر واليابس في منطقة المغرب العربي , وهذا ما يفسرّ هجوم الشركات الأمريكية على تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ونفس هذه الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات بدأت تعود إلى ليبيا و لابدّ أن نشير أنّه ورغم الحصار الأمريكي المفروض سابقا على ليبيا بسبب أزمة لوكربي كانت الشركات النفطية الأمريكية تشتري حصة الأسد من النفط الليبي . وهناك العديد من الدراسات الأمريكية التي تركّز على حجم الثروات الهائلة الموجودة في المغرب العربي من نفط وغاز وحديد وفوسفات ويورانيوم و ما إلى ذلك من الثروات الباطنية . وبالإضافة إلى عامل الثراء هناك عامل الموقع الجيوسياسي , ولا يمر شهر إلاّ وتشهد مياه البحر الأبيض المتوسط مناورات عسكرية بحرية بين القوات الجزائرية والأمريكية , أو بين القوات المغربية والقوات الأمريكية . فهذا المنفذ البحري الهام يجعل الآلة العسكرية الأمريكية البحرية على تماس جغرافي بأوروبا , وعلى تماس جغرافي بإفريقيا, وعلى تماس جغرافي بالشرق الأوسط وهي كلها مناطق تعني الكثير للاستراتيجية الأمريكية التي كثيرا ما تركّز على ضرورات المنافذ المائية لتكريس الوجود الأمريكي في مختلف نقاط العالم . وتبدو الدول المغاربية متحمسّة للعروض الأمريكية , وهي في مجموعها بات الرضا الأمريكي يعني لها أكثر مما يعنيها الرضا الفرنسي الذي لم يعد مجديّا في ظلّ عولمة أمريكية الشكل والمضمون , وترى الدول المغاربية أنّ هذا التوجه الأمريكي لتوحيد المغرب العربي والاستثمار فيه من شأنه أن يساهم في حلحلة العديد من المشاكل التي تتخبّط فيها هذه الدول , وتتصوّر هذه الدول أنّ واشنطن ستعطيهم بدون مقابل متناسين أنّ المقابل سيكون كبيرا للغاية في ظلّ هشاشة الوضع السياسي المغاربي . والعجيب كما يقول سياسي مغاربي أنّ الدول المغاربية لا تجتمع فيما بينها لحل مشكلة إنهيار الإتحاد المغاربي , وتنتظر من واشنطن أن تعمد إلى مساعدتها على تفعيل الاتحاد المغاربي , وهي خطوة إن تمت ستصبح منطقة المغرب العربي بموجبه قاعدة أمريكية تماما كتركيا , و الغريب أنّ معظم الدول المغاربية معجبة بالنموذج التركي و خصوصا الارتماء التركي في الحضن الأمريكي و الأوروبي في نفس الوقت !
عقد الماضي ومخاوف المستقبل ! الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى تونس بدعوة من نظيره التونسي زين العابدين بن علي , وردّ الزيارة التي قام بها قبل فترة وجيزة الرئيس زين العابدين بن علي إلى الجزائر , لا تندرج في سياق البحث عن الشروط الموضوعية لاعادة الحياة الى الاتحاد المغاربي الذي ينتظر من يطلق عليه رصاصة الرحمة و محاولة ترميم العلاقات الجزائرية –المغربية , و اعادة تصحيح العلاقات التونسية –الجزائرية , بقدر ما تندرج في سياق البحث في الملفات الأمنيّة الملحّة وخصوصا بعد قيام مجموعة مسلحة جزائرية في أقصى الشرق الجزائري بالهجوم على مركز حدودي تونسي الأمر الذي جددّ المخاوف التونسية التي بقيت في ذروتها منذ السماح للأحزاب الاسلامية بالعمل السياسي في الجزائر . و قبل هذا ظلّت العلاقات الجزائرية التونسية خاضعة للمدّ والجزر لكنّها لم تصل الى حدّ القطيعة كما هو الشأن في العلاقات الجزائرية- المغربية . وخلفية الخلافات التونسية – الجزائرية تعود إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية , حيث كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وبعد أن تولىّ رئاسة الحكومة التونسية في 1956 يدعو قادة الثورة الجزائرية إلى الكف عن الثورة والعودة إلى الهدوء في ظل فرنسا , وعندما قام بزيارة إلى واشنطن في تلك الفترة طلب منه الرئيس الأمريكي ايزنهاور بالقيام بدور المهدّئ للثورة الجزائرية مقابل مساعدات اقتصادية أمريكية , وطلب ايزنهاور من بورقيبة أن يقنع الثوّار الجزائريين بالعودة إلى السلم والعيش في كنف فرنسا , ووعد بورقيبة ايزنهاور بالقيام بهذا الدور و محاولة إقناع الجزائريين بوقف القتال كما فعل هو في تونس عندما قبل بالاستقلال الذاتي , وكان أول تصريح لبورقيبة في البيت الأبيض قوله : نحن مع الغرب وسنظل معه لا بحكم موقعنا الجغرافي فقط بل بحكم ثقافتنا وتقاليدنا ! وتبينّ لدى عودة بورقيبة من واشنطن أن واشنطن كلفته بالتحرك من أجل إقامة حلف عسكري يضم أقاليم الشمال الإفريقي – المغرب العربي – وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وترعاه أمريكا وبريطانيا ويكون مكمّلا للحلف الأطلسي , وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الطرح مازال قائما وتروّج للفكرة تونس حيث تعرض الرئيسان التونسي زين العابدين بن علي والجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى المشروع الأمريكي القاضي بتأسيس شراكة أمريكية _ مغاربية . وحاول بورقيبة جاهدا إقناع قادة الثورة الجزائرية بالمشروع وعلى مدى ثلاثة أسابيع بعد عودته من واشنطن ظلّ على اتصال بقادة الثورة الجزائرية و الساسة في المغرب العربي ولماّ لم ينجح في مشروع إطفاء الثورة الجزائرية و لا في مشروع الحلف مع أمريكا راح وحده يغرّد خارج السرب وكان يردد : يا ليت تونس تقع بمنأى عن موقعها الجغرافي الحالي , يا ليتها تقع في شمال العالم على مقربة من الدول الإسكندينافية . وزاد في التشويش على العلاقات الثنائية بين تونس والجزائر احتضان الجزائر لبعض الشخصيات المعارضة للحبيب بورقيبة وحكمه , كما أن وقوف بورقيبة إلى جانب المغرب في قضية الصحراء الغربية أدىّ إلى انزعاج كبير من طرف هواري بومدين الذي وضع كل ثقل الجزائر في قضية الصحراء الغربية ومعروف أن هواري بومدين كان وراء تأسيس جبهة البوليساريو . و عندما تولى الشاذلي بن جديد الحكم في الجزائر في 1980 كان الاتحاد المغاربي في طور التأسيس الأمر الذي أدى نسبيا إلى إعادة تصحيح العلاقة بين الجزائر وتونس , لكن سرعان ما تغيرّت الأوضاع بعد خريف الغضب الجزائري في 05 تشرين الأول – أكتوبر 1988 حيث أضطّرت السلطة الجزائرية إلى تغيير أسلوبها السياسي وأطلقت مشروع التعددية السياسية الذي بموجبه تأسست الأحزاب السياسية في الجزائر من وطنية وإسلامية وبربرية , وترافق هذا التغير الجزائري مع تغيّر أخر في تونس تمثلّ في الانقلاب الأبيض الذي قاده الجنرال زين العابدين بن علي على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في تشرين الثاني – نوفمبر 1987 , وكان بن علي منزعجا كل الانزعاج من السلطة الجزائرية التي منحت الاعتماد للجبهة الإسلامية للإنقاذ وقد أوصل انزعاجه هذا إلى الرئيس الشاذلي بن جديد وطالبه بحلّ جبهة الإنقاذ لأن وجودها في الجزائر من شأنه أن يحرج السلطة التونسية مع حركة النهضة التونسية التي حظرت في تونس وزجّ بكل قيادييها في السجن , و أرتفعت حدّة التوتر بين الجزائر وتونس عندما أقام زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في الجزائر العاصمة وظلّ يتردد على الدكتور عباسي مدني ورفاقه من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ , وقد أرسلت تونس رئيس وزرائها حامد القروي إلى الجزائر للطلب رسميا من الجزائر بتسلّم راشد الغنوشي المحكوم عليه بالإعدام في تونس مع مجموعة من قياديي حركة النهضة التونسية , وغادر الموفد التونسي الجزائر خالي الوفاض لأنّ الرسميين في الجزائر كانوا يتصورون أنّ خطوة من هذا القبيل من شأنها تفجير الشارع الإسلامي الذي كان يغلي في الجزائر , وتبع الغنوشي إلى الجزائر عشرات من أنصار النهضة وكوادرها وارتابت السلطة التونسية في الأمر حيث تخوفت من عودة المارد النهضوي إلى تونس من البوابة الجزائرية , و قد نشرت صحيفة البديل التي كانت تابعة للرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة تقريرا مستقى من جهات عليا يفيد بأن الأجهزة الأمنية في تونس أرسلت إلى الجزائر فرقة تدعى النمور السوداء لاغتيال راشد الغنوشي في الجزائر , وقد أبلغ الغنوشي بالأمر فأتخذّ الإحتياطات اللازمة وفشلت المحاولة بعد كشفها إعلاميا .و عندما تزايدت الضغوط على الجزائر من قبل تونس طلب من راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية أن يغادر الجزائر واختار التوجه الى السودان ومنه توجه الى بريطانيا للاقامة فيها كلاجيء سياسي . وبعد إبعاد الشاذلي بن جديد عن الحكم و فرض حالة الطوارئ وحلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ اندلعت مواجهات دامية بين أنصار الإنقاذ والسلطة الجزائرية و ترتبّ على إلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بروز العمل المسّلح وعشرات الحركات الإسلامية المسلحة التي كان بعضها يقوم بالهجوم على مواقع على الحدود التونسية الجزائرية , وفي ظل غياب التنسيق السياسي كان التنسيق الأمني بين تونس والجزائر في أوجه حيث كانت السلطات التونسية تسلّم عناصر متعاطفة مع الحركات الإسلامية الجزائرية فرّت إلى تونس وبدورها الجزائر تسلم معلومات عن نهضويين تونسيين مروا بالجزائر .ومنذ 1992 والى يومنا هذا كان عمل الاتحاد المغاربي مقتصرا على الملفات الأمنية وجمع المعلومات عن التيارات الأصولية . وزيارة عبد العزيز بوتفليقة إلى تونس تهدف إلى احتواء ملفات الماضي و وضع استراتيجية أمنية موحدة لأنه و حسب الرسميين في تونس والجزائر فان التحديات مازالت قائمة والمخاوف مازالت مشروعة , وبعد توحيد الرؤى بشأن القضايا الأمنية يأتي الحديث عن العلاقات الثنائية في شقها السياسي والاقتصادي ومن تمّ توسيع دائرة الحديث ليشمل مستقبل اتحاد المغرب العربي وإصلاح ذات البين بين الجزائر والرباط خصوصا وأن العاهل المغربي محمد السادس سبق بوتفليقة إلى تونس و يحاول زين العابدين بن علي أن يكون عراّب المصالحة بين بوتفليقة ومحمد السادس !
لا شكّ أنّ غيّاب العاهل المغربي الحسن الثاني عن المشهد السيّاسي المغربي قد أثرّ على الحركيّة السياسية في المغرب وأفقدها أحد عرابّها الكبار , ورغم مرور أزيد من سنة على تولي محمد السادس الحكم الاّ أنّ التحديات مازالت قائمة , حيث رحل الحسن الثاني سلسلة من الملفات الثقيلة بقيت بدون حلّ وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية , وهنا اطلالة على العهد الجديد في المغرب بزعامة الملك محمّد السادس . كل الترتيبات السياسية التي قام بها العاهل المغربي الحسن الثاني قبل وفاته بأربع سنوات على الصعيد الداخلي والمغاربي و الدولي كانت في مجملها تهدف إلى تسليم مقاليد المملكة لابنه محمد السادس بدون منغصات وحتى ينصرف نجله إلى تولي الملك بدون إرباكات , ولعل كل الملفات الساخنة والملحة قد تم حلها في عهد الحسن الثاني و حلحلتها عدا ملف الصحراء الغربية الذي ما يزال ساخنا بسبب تشبث الجزائر بموقفها وإصرارها على ضرورة قيام الدولة الصحراوية التي صرفت عليها الجزائر الكثير على الرغم من عجزها الاقتصادي وخصوصا في العشر سنوات الأخيرة. و على الرغم من أن كل دوائر القرار والمؤسسات الدستورية في المغرب كانت مع تولي محمد السادس للعرش في الرباط ,إلا أن هناك تحديات كانت في انتظار محمد السادس عشية توليه العرش , وعلى الرغم من دخوله المعترك السياسي باكرا إلا أنه يفتقد إلى الكثير من الحنكة السياسية والتجربة أيضا , والفترة التي قضاها مع والده في دائرة القرار كما يقول عارفون بالبيت المغربي غير كافية لإنضاجه سياسيا بالإضافة إلى أنه لم يكن مطلقا هو الذي يتخذ القرار بل كان أبوه المعروف بحنكته وراء كل صغيرة وكبيرة وكان محمد السادس يكتفي بالمعاينة فقط. و لحد الآن لم يتسن له أن يملأ الفراغ الذي خلفه والده وخصوصا لجهة التعاطي مع القضايا الداخلية المعقدة و المتداخلة , ومع ملف الصحراء الغربية, إذ أن الجزائر تجد في غياب الملك الحسن الثاني فرصة تاريخية لتفعيل مشروع دولة البوليساريو . و يمكن حصر التحديات التي تواجه الملك محمد السادس في التحديات الداخلية وتحديدا في المجالين الاقتصادي والسياسي , والتحديات الخارجية وتحديدا ملف الصحراء الغربية والشراكة مع الاتحاد الأوروبي والموقف من عملية السلام خصوصا وأن الملك المغربي الراحل كثيرا ما لعب دور ساعي البريد بين الدولة العبرية و بقية الدول العربية . أما داخليا فعلى الرغم من أن معظم الأحزاب السياسية متوافقة على قواعد اللعبة ضمن الإقرار بأن الملك هو الملك و هو المحور الذي لا يمكن تجاوزه و لا يمكن اللعب السياسي إلا تحت سقفه إلا أن هناك كثيرا من التيارات السياسة لا تملك ضمانات , وكانت على الدوام عرضة للاضطهاد السياسي ومن هذه التيارات ,التيار الإسلامي والتيار اليساري التي كانت محل ملاحقة واغتيل بعض رموزها في السبعينات والثمانينات , وإذا كانت هذه التيارات لم تسلم مطلقا بحكم الملك الحسن الثاني فكيف بحكم نجله. ولعل لهذا السبب أبدى محمد السادس بعض الانفتاح على هذه التيارات على وجه التحديد ,وبدون الانفتاح الكامل سيعرف عهد محمد السادس العديد من التشنجات الداخلية خصوصا في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية .. والمغرب ورغم دخوله في اقتصاد السوق منذ سنوات إلا أنه لم يحقق النتائج المرجوة منه ,فالهوة تزداد اتساعا بين الأغنياء و الفقراء والارتباط بصندوق النقد الدولي أيل إلى الإلتحام وبالتالي مزيد من شروط صندوق النقد الدولي التي ترهق كاهل المغرب. و قد لا يجد الملك الشاب ما يفعله في هذا المجال خصوصا وأن المغرب يفتقد إلى وفرة الطاقة من نفط وغاز , وحتى المراهنة على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو دول جنوب أوروبا لن يجدي في حل المعضلة الاقتصادية ذلك أن السمة الغالبة للإقتصاد المغربي هي الاستهلاك وليس التصنيع والإنتاج ,وحتى إذا لجأ الملك الشاب إلى تفعيل قطاع السياحة فان هذا لا يكفي وحده في تحقيق الازدهار الاقتصادي , فان مصر السباقة إلى صناعة قطاع السياحة ما استطاعت أن تحقق النقلة في اقتصادها إلا بالشيء القليل فقط .. أما التحديات الخارجية التي تعترض الملك الشاب فتكمن في مشكلة الصحراء الغربية , فالرسميون في الجزائر يريدون أن تقوم لجبهة البوليساريو دولة ,تريح الجزائر من بعض المطامع المغربية القديمة في صحراء تندوف الجزائرية… و من جهة أخرى فان الجزائر كانت تطمح على الدوام أن يكون لها منفذ على المحيط الأطلنطي وهذا يتسنى لها في حال تأسيس دولة البوليساريو. و رغم حنكة الملك الراحل وسعة علاقاته الدولية لم يتمكن من إحراز أي نصر على صعيد القضية الصحراوية, وتنص وجهة النظر المغربية على أن الصحراء الغربية هي منطقة مغربية و هي معضلة افتعلها الاستعمار الإسباني لدى مغادرته المغرب ومن بعد الإسبان الفرنسيون الذين مكثوا في المغرب العربي أكثر من قرن ونصف . وليس من السهولة إحراز تقدم باتجاه إغلاق هذا الملف الذي بقي ربع قرن بدون تسوية , كما أن القضايا المرتبطة بهذا الملف مازالت عالقة فعلى سبيل المثال يوجد في السجون المغربية العديد من الضباط الجزائريين الذين كانوا إلى جنب المقاتلين الصحراويين في حربهم مع المغرب. كما أن المغرب اتهم الجزائر بالضلوع في تفجيرات عرفها المغرب, وكانت المغرب قد انسحبت من منظمة الوحدة الإفريقية التي تترأسها الجزائر حاليا ,وذلك بسبب اعتراف هذه المنظمة بجبهة البوليساريو. أما اتحاد المغرب العربي المشلول منذ عشر سنوات تقريبا فلا يمكن تصور إحيائه , وحتى إذا عاد إلى دائرة الضوء فكل قراراته ستظل حبرا على ورق. أما الشراكة مع الاتحاد الأوروبي فمعروف أن هذا الأخير كان يرفع ورقة حقوق الإنسان المنتهكة في الرباط, وعلى الرغم من أن الرباط قامت بتحسين صورتها في هذا المجال إلا أن الطريق ما زالت طويلة حتى تقتنع العواصم الغربية بأن الدمقرطة أصبحت سيدة الموقف في الرباط. وعلى صعيد علاقات المغرب مع بقية الدول سواء الدولة العبرية والمحاور الدولية الأخرى ,فلا شك كما يقول عارفون بالبيت المغربي أن ثقافة الحسن الثاني الواسعة و خبرته القديمة أهلته أن يجيد لعبة التوازنات , والملك الجديد في حاجة إلى وقت للحصول على بعض هذه المواصفات ولن يكون كما كان والده في واقع الملقي وفي الأغلب سيكون في موقع المتلقي . والعلاقة مع الدولة العبرية ستستمر متطورة في عهد محمد السادس, بسبب نفوذ الجالية اليهودية في المغرب ,وبسبب وجود مستشارين يهود في دوائر البلاط الملكي إلى وقتنا هذا . و يبقى القول أن الملك الحسن الثاني كان يحلم أن تعود سبتة ومليلة إلى السيادة المغربية إلا أن إصرار إسبانيا على أنهما ملك لاسبانيا من شأنه تعقيد الأزمة وعلى الأرجح فانه لن يكون في وسع محمد السادس إسترجاع سبتة ومليلة وخصوصا بعد أن أضيف إلى ملف سبة ومليلة ملف أخرى وهو جزيرة ليلى أو جزيرة الباقدونس .
إلى وقت قريب كان الرسميّون في المغرب يعيدون سبب الإستقرار السيّاسي في المغرب إلى إستفادة الرباط إستفادة قصوى من الأحداث الجزائريّة التي مازالت تفتك بالجزائر منذ بداية الصدام بين السلطة الجزائريّة والإسلاميين الذي إندلع عقب قيّام السلطة الجزائريّة بإلغاء الإنتخابات التشريعية في الجزائر والتي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية مطلقة – 188 مقعدا برلمانيّا - وتفاديّا لوقوع أحداث مشابهة في المغرب , أقدمت السلطات المغربيّة على تخفيف الحصار على الحالة الإسلاميّة المغربيّة بدأت بإطلاق سراح الشيخ عبد السلام ياسين الأب الروحي للحركة الإسلامية المغربية وزعيم جمعية العدل و الإحسان , كما رفعت القيود عن العديد من الشخصيّات الإسلامية المغربية وسمحت للتيّار الإسلامي بالنزول إلى الشارع في العديد من المناسبات السياسيّة المحليّة والعربية من قبيل السماح بتظاهرات مليونية ضدّ مشروع قانون للأسرة منافي للشريعة الإسلامية , والسماح للشارع الإسلامي بإبداء سخطه على سياسة شارون في الأرض العربية المحتلة في فلسطين . وكانت هذه السياسيّة المغربيّة - والتي كان بعض المراقبين في المغرب يراها مؤقتّة ومتزامنة مع تولّي العاهل المغربي الشاب محمّد السادس خلفا للعاهل المغربي السابق الحسن الثاني للحصول على دعم كافة ألوان الطيف السياسي في المغرب – ضروريّة في نظر صنّاع القرار المغربي لنزع كل فتائل الإشتعال حتى لا يحدث ما حدث في الجزائر التي أرخت أحداثها بظلالها بقوّة على الجوار المغاربي . وقد جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول التي عصفت بأمريكا لتلغي هذه السياسة الإنفتاحيّة ولتعدلّ فيها بنسبة 180 درجة. فالرباط وتعاطيها مع الحالة الإسلاميّة قبل الحادي عشر من أيلول تختلف عن الرباط في تعاملها مع الحالة الإسلاميّة بعد الحادي عشر من أيلول . والرباط التي تربطها بالولايات المتحدة الأمريكيّة أوشج الروابط والتي جعلت واشنطن تتبنّى الخيّار المغربي في كيفية حلحلة موضوع الصحراء الغربية وجدت نفسها مستجيبة تلقائيّا للضغوط الأمريكية وخصوصا بعد إعتقال مجموعة من المنضمين لتنظيم القاعدة المتهمين بالشروع في القيّام بتنفيذ عمليات عسكريّة ضدّ بوارج أمريكيّة في مضيق جبل طارق . وتحت ذريعة ملاحقة فلول القاعدة في المغرب شنّت السلطات المغربيّة أوسع حملة إعتقالات في صفوف بعض الجماعات الإسلاميّة في المغرب , وإنضمّت الصحافة العلمانيّة المغربيّة إلى هذه الحملة حيث بدأت تشنّ حملة على من أسمتهم بأمراء الدم في المغرب وضرورة إستئصالهم من الواقع المغربي , وهي عينها اللهجة الإعلاميّة التي إتسمّت بها الصحافة الرسمية والفرانكفونيّة في الجزائر عقب إلغاء المسار الإنتخابي سنة 1992 والتي ساهمت في إذكاء نار الفتنة وصبّ النار في زيت الصراع الجزائري . وتعتبر التيّارات الإسلاميّة المغربيّة أنّ الرباط تنفذّ أجندة أمريكية في المغرب , كما أنّ هذه السياسة تندرج في سياّق الحملة الإنتخابيّة الرسمية للإنتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري في 27 أيلول – سبتمبر المقبل . وتعمل بعض الأوساط السياسيّة الرسميّة على جعل البرلمان المغربي المقبل خاليّا من الإسلاميين , وبمجرّد أنّ صرحّ وزيرالشؤون الإسلاميّة عبد الكبير مدغري علوي بأنّه سيكون مسرورا جدا إذا نجح الإسلاميون في الإنتخابات المقبلة , شنّ عليه رئيس الوزراء والأحزاب اليساريّة والعلمانيّة حملة شرسة ونعتوا وزير الشؤون الدينية بأنّه المتحدث بإسم الظلاميّة في المغرب. والجدل السيّاسي الدائر في المغرب بين السلطة والإسلاميين من جهة , وبين الأحزاب العلمانيّة والتيارات الإسلامية من جهة أخرى يذكّر ببدايات الصراع الجزائري حيث تحوّل الإختلاف الإيديولوجي إلى إستعمال العنف والبنادق , حيث تسببّ العنف في مقتل مائتين ألف جزائري ومازالت القائمة طويلة . وتطمئن الجهات الرسمية في المغرب بأنّ المشهد الدموي في الجزائر لن يتكررّ في المغرب بإعتبار أنّ الإسلاميين لن يحصلوا على الأغلبية المطلقة في البرلمان وأنّ هناك حصصا ستوزّع على التيارات السياسية , كما أنّ الإسلاميين الذين سيدخلون البرلمان هم المحسوبون على الخطّ المعتدل . وللتذكير فقط فإنّ السلطة الجزائريّة كانت تخططّ في نفس السيّاق إلى أن حدثث المفاجأة التي لم تكن دوائر القرار الجزائريّة تتوقعّها على الإطلاق , وشروع المغرب في الصدام مع التيارات الإسلامية بحجّة أنّ بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة , صحيح أنّه سيرضي واشنطن إلى أبعد الحدود لكنّه سيحدث ثغرة كبيرة في الجدار الوطني المغربي وقد يكون مدخلا لكثير من التصدعّات الداخليّة .
من مفارقات الزمن المغاربي – والزمن العربي كله مفارقات - ومن المتناقضات المؤسفة حقا أن القلاع المغاربية التي أفرزت في يوم من الإيام الأمير عبد القادر الجزائري و عمر المختار وخير الدين الثعالبي وعبد الكريم الخطابي وغيرهم من رموز المقومّات الحضارية والنهضوية في المغرب العربي بدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى أمام المدّ التطبيعي مع الدولة العبريّة . وبدل أن تلوذ الدول المغاربية بإتجاه بناء الاتحاد المغاربي المصاب بحمّى مزمنة منذ ظهوره على المشهد السياسي المغاربي أو بناء جسور قوية مع المشرق العربي فإنها راحت مهرولة ومسرعة باتجاه الدولة العبرية على أمل قطف الغنائم في غير موسم الغنائم . وحسب الدول المغاربية فإنها لا يجب أن تتأخر عن ركب المطبعين الرسميين في المشرق العربي على قاعدة خير البر عاجله وعلى قاعدة أن مثل هذا التأخر قد ينعكس سلبا سياسيا وإقتصاديّا على الدول المغاربية . والغريب في الأمر أنّ الدول المغاربية تخلت تقريبا بالكامل عن إلتزاماتها القومية وراحت تذعن لشروط التطبيع قبل أن تأخذ اللعبة السلمية مداها و قبل إتضاح الأفق والرؤية المستقبلية , وهي اليوم تتحرك من منطلق أنه لا علاقة لها البتة بالقضية الفلسطينية ولا بمظلومية المستضعفين من الناس في جنوب لبنان أو الجولان المحتل . وقد هرولت هذه الدول باتجاه التطبيع دون العودة الى رأي الشارع المغاربي الذي يتلقى يوميا صدمة قاسية من قبيل الاعلان الموريتاني السابق بتدشين العلاقات الديبلوماسية مع الدولة العبرية وإعلان المغرب بقرب التطبيع مع الكيان الصهيوني و عودة الحيوية إلى الجسور السرية العبرية – الجزائرية , و العبرية –التونسية و الأفظع من كل ذلك أن الوفود الاسرائيلية تذهب وتسوح في البلدان المغاربية والشعوب لا تعلم بذلك لأن الأوامر الصادرة لهؤلاء –أي شخصيات الوفود الإسرائيلية _عدم التكلم بالعبرية والإكتفاء بالحديث باللغة الفرنسية أو اللهجة المغربية لأن العديد منهم من أصل مغاربي . وكانت جريدة الخبر الجزائرية الناطقة باللغة العربية في وقت سابق دشنت التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني من خلال الحوار الذي هو الأول من نوعه في صحيفة جزائرية ناطقة باللغة العربية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهودا باراك والذي رحب في هذا الحوار بمقابلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و دعا إلى تطبيع العلاقات مع الجزائر والحوار تمّ اجراؤه عندما كان يهودا باراك رئيسا للوزراء وقبل وصول شارون إلى سدّة رئاسة الحكومة بقليل و في نفس الوقت دعا وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار من خلال جريدة لوماتن الناطقة بالفرنسية هذه المرة الجزائريين إلى الاستعداد النفسي لتدشين العلاقات الجزائرية –الإسرائيلية في حال حدوث التطبيع الكامل بين العرب والدولة العبريّة . ويعتقد العديد من السياسيين في المغرب العربي أن الدولة العبرية تراهن كثيرا على المغرب العربي و ذلك لأسباب سياسية و إقتصادية وأمنية وقد لعبت الجاليات اليهودية التي إستوطنت في المغرب العربي دورا كبيرا في تحقيق التقارب بين دولتهم العبرية ودول المغرب العربي , والعديد من اليهود ذوي الأصول المغاربية تولوا مناصب سياسية حساسة في الدولة العبرية وهذا ما يفسر مثلا طرح المغرب نفسه كوسيط في أوج الصراع العربي –الإسرائيلي ,كما أن بعض اليهود المغاربة شغلوا مناصب إستشارية لدى العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني ومنهم دافيد بن عمار وأندريه أزولاي الذي ما زال مستشارا للملك الشاب محمد السادس . وعلى مدى سنوات الصراع العربي – الإسرائيلي لعب المغرب أدوارا غير معلنة وصفت بأنها من الأهمية بمكان بحيث أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال إسحاق رابين وعقب توقيعه على اتفاق غزة –أريحا أولا في واشنطن توجه إلى الرباط لتقديم شكره الخاص للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني على المساعي التي بذلها في سبيل تحقيق التقارب الإسرائيلي –الفلسطيني. صحيح أن الرباط لم تكن تعلن عن كثير من لقاءات السر والكواليس والزيارات التي كان يقوم بها إسرائيليون إلى المغرب والتي كان يصادف أن يجهر بها الملك المغربي الراحل في بعض أحاديثه الصحفية وقد أصبح اليوم للدولة العبرية سفارة كاملة الأركان في المغرب وللإشارة فإنّ موشي ديّان كشف في مذكراته أنّه كان ينزل في أفخم قصور الملك الراحل الحسن الثاني و كان يشعر بكثير من الرفاهية وهو في قصور الضيافة في الرباط دون أن يعلم بوجوده فيها غالبية الشعب المغربي وحتى العديد من المسؤولين والرسميين . و تونس التي استضافت منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من بيروت أعلنت هي الأخرى بعد التوقيع على اتفاق غزة-أريحا عن فتح مكتب لها في تل أبيب وكذلك فعلت مورياتانيا التي أقامت مهرجانا في واشنطن أعلنت فيه عن تدشين العلاقات الموريتانية-الإسرائيلية, والجزائر بعثت أكثر من رسالة الى الدولة العبرية مفادها أن التطبيع على الأبواب و تأجيل التطبيع الجزائري-الإسرائيلي سابقا كان بسبب تردي الوضع الأمني وكان الرسميون الجزائريون يخافون أن يؤدي التطبيع مع إسرائيل إلى مفاقمة الوضع الأمني وتجيير المعارضة هذا التطبيع لصالحها غير أنّ الحيوية بدأت تدبّ في العلاقات السريّة بين البلدين . وتراهن إسرائيل على المغرب العربي لأسباب سياسية وإقتصادية وأمنية وجيوسياسية . فعلى الصعيد الإقتصادي تبرز الدراسات الإسرائيلية أن الأسواق في المغرب العربي تستهلك المنتوجات الصناعية والزراعية بما يفوق 30 مليار دولار سنويا وهذه البضائع تصل معظمها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وحسب الدراسات الإسرائيلية فإنّ الدولة العبرية بامكانها أن تزود الحزام المغاربي بنفس البضائع التي تأتي من دول المتوسط وبتكاليف أقل مما هي عليه التكاليف الغربية و قد تصل هذه البضائع برا عبر مصر وإلى المغرب العربي في حال حصل التطبيع بكل أبعاده .كما أن الدولة العبرية تتطلع بشغف إلى اليورانيوم الجزائري الموجود بوفرة في منطقة التاسيلي الواقعة جنوب الجزائر. ودائما حسب الدراسات الإسرائيلية فإن الإستهلاك في المغرب العربي واسع للغاية وتفترض هذه الدراسات بقاء الإقتصاد الإستهلاكي على المدى القريب والمتوسط وحتى على المدى البعيد . وعلى الصعيد السياسي فإنّ الدولة العبرية تطمح في إقامة علاقات سياسية وديبلوماسية طبيعية مع دول المغرب العربي و ترى في ذلك إستكمالا لعملية السلام و على الصعيد الأمني فان أي علاقة بين الدولة العبرية ودول المغرب العربي من شأنها أن تؤدي إلى تنسيق الجهود وتبادل المعلومات حول الحركات الاسلامية التي تعارض في مجملها الصلح مع إسرائيل ,وتحاول إسرائيل جاهدة الحصول على معلومات تتعلق بأعضاء في حركة المقاومة الإسلامية حماس والذين بعضهم من حملة الجنسية المغربية وتحاول إسرائيل معرفة ما إذا كان هناك تنسيق بين الحركات الإسلامية في المغرب العربي وتلك الموجودة في فلسطين ولبنان والأردن ومصر. وعلى الصعيد الجيوبوليتيكي فإن الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية تبين أن التطبيع مع الشمال الإفريقي ضروري لجهة تكريس الدور الإسرائيلي في كل القارة الإفريقية وتظهر بعض التقارير أن الدولة العبرية نجحت إلى أبعد الحدود في ترميم علاقاتها بكل الدول الإفريقية و أنها بدأت تجني ثمار هذا الترميم و الشمال الإفريقي هو بوابة إفرقيا فلابد من إستحكام الدور في كل الإتجاهات كما يرى إستراتيجيو الدولة العبرية!
وفي ظلّ إنهيار المصالحة
المغاربيّة – المغاربية والتي تسببّت في
حالة الغيبوبة القاتلة التي تلف إتحاد
المغرب العربي , فإنّ المصالحة المغاربية
– العبرية آخذة في التحققّ و في كل
الإتجاهات , وقد يفضي ذلك إلى تحولّ
المغرب العربي إلى المغرب العبري .
عاشت الجزائر ومازالت تعيش وضعا حكوميّا مضطربا أدّى باستمرار إلى نكوص جميع الخطط التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت توضع من قبل الحكومات التي لم تعمّر بعضها سوى شهور كما هو شأن حكومة أحمد بن بيتور التي ولدت بعمليّة قيصرية -بعد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة – وماتت بأول جلطة سياسية ألمّت بها . ومنذ 1988 والى يومنا هذا تعاقبت على الجزائر العديد من الحكومات وهي على التوالي: حكومة قاصدي مرباح , حكومة مولود حمروش , حكومة سيد أحمد غزالي , حكومة رضا مالك , حكومة مقداد سيفي , حكومة أحمد أويحي , حكومة أحمد بن بيتور ووصولا إلى حكومة علي بن فليس الذي كان قبل تعيينه رئيسا للحكومة أحد مديري الحملة الانتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ولاحقا مدير الديوان الرئاسي بعد أن أصبح بوتفليقة رئيسا للجزائر وبعده خروجه من القصر الحكومي ليتفرغّ لمعركته مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عاود أحمد أويحي الظهور في زيّ رئيس حكومة وهو لا يتمتّع بأي شعبية مطلقا . . والواقع كما يقول عارفون بالبيت الجزائري أنّ السبب المركزي للخلل في الأداء الحكومي يعود الى تداخل السلطات الفظيع في الجزائر حيث باتت بموجبه الحكومة مجرّد جهاز تنفيذي لمؤسسات فاعلة كالمؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة التي كانت تحاول أن تستعيض عن ضعفها إزاء المؤسسة العسكرية بالإستيلاء على صلاحيات الحكومة والتي كان معظم أعضائها من الوزراء إمّا موالين لشخصيات عسكرية كبيرة أو موالية لرئيس الدولة مباشرة ,وهذا ما ذكره رئيس الحكومة أحمد بن بيتور عشية إبعاده من منصبه حيث أشار إلى أنّ الحكومة لا تقرّر ولا تفكرّ وكل صغيرة وكبيرة تصاغ في قصر المراديّة أي قصر الرئاسة الجزائرية , وأشار أيضا أنّ العديد من الوزراء يتلقون أوامرهم من رئيس الدولة وليس من رئيس الحكومة . وتجدر الإشارة الى أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان يفكّر في إلغاء منصب رئيس الحكومة كما هو الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية , كما كان يفكّر في تغيير الدستور الحالى الذي جرى وضعه في عهد الرئيس اليامين زروال . وإختيار علي بن فليس رئيسا للحكومة في بداية عهد بوتفليقة ربما كان يعتبر خطوة في إتجاه ما كان يفكّر فيه عبد العزيز بوتفليقة ولكن بلا ضجيج إعلامي , فعلي بن فليس كان مديرا للديوان الرئاسي وأحد أقرب المقرّبين إلى عبد العزيز بوتفليقة وهو بعبارة أخرى الباب الموصل إلى بوتفليقة , وبهذا الشكل كان بوتفليقة يدير الحكومة من خلال مدير ديوانه الذي تغيّر منصبه وبقيّ ولاؤه لبوتفليقة , وبناءا عليه يمكن القول أنّ الحكومة انتقلت الى قصر المرادية – قصر الرئاسة الجزائريّة , لكن ولاء علي بن فليس لم يطل , فبمجرّد أن وصلته رسائل ما من جهات ما بأنّه سيكون رجل الجزائر الأوّل في أبريل – نيسان – من السنة المقبل 2004 حيث موعد الإستحقاق الرئاسي حتى قلب ظهر المجن وفتح النار على بوتفليقة في لعبة جسدّت بوضوح صراع مراكز القوة في الجزائر ! . ولم يجرؤ رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور على كشف هذه التحديات والتي ذكرناها سابقا إلاّ في الخمس دقائق الأخيرة من عمره السياسي و قد كان العديد من وزرائه موالين لرئيس الجمهورية , فيما كان بعض الوزراء المتحزبّين موالين لزعماء أحزابهم كشأن وزراء حركة حمس – مجتمع السلم- بزعامة محفوظ نحناح الذي نتقل إلى الرفيق الأعلى, أو وزراء التجمع من أجل الثقافة والديموقراطيّة البربري بزعامة سعيد سعدي , أو وزراء حزب جبهة التحرير الوطني وغيرهم .. ومادامت السلطات متداخلة وفي غياب مبدأ الفصل بين السلطات فإنّ الأزمات الحكوميّة في الجزائر مرشحة للكثير من التطورات . وإذا كان التغيير الحكومي في الجزائر طبيعياّ في سياق إفرازات الزلزال الجزائري السابق , فإنّ ما يدعو إلى الدهشة هو عودة رجال قرار ساهموا في تدمير الجزائر وسمعتهم سيئة وسوداء لدى الرأي العام الجزائر كالجنرال العربي بلخير الذي عاد إلى قصر المرادية كمدير للديوان الرئاسي خلفا لعلي بن فليس الذي أصبح رئيسا للحكومة في بداية عهد بوتفليقة والحالم بمنصب السيد الرئيس راهنا . ويعتبر الجنرال العربي بلخير أحد أخطر الجنرالات الجزائريين المحسوبين على حزب فرنسا , فقد كان جنرالا في المؤسسة العسكرية ثمّ مديرا للديوان الرئاسي في عهد الشاذلي بن جديد حيث كان يعتبر في ذلك الوقت الرئيس الفعلي للجزائر وكان وراء إصدار الأوامر إلى الأجهزة الأمنية بإطلاق النار على المتظاهرين في الشوارع الجزائرية أثناء الإضطرابات السياسية التي كانت تعرفها الجزائر في ذلك الوقت , و عينّه الشاذلي بن جديد وزيرا للداخلية قبل الإنتخابات التشريعية الملغاة في سنة 1992 ,وقد لعب دورا كبيرا في إعتقال قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وسحب إعتمادها وإرسال عشرين ألف جزائري مناصر للجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى سجون الصحراء الجزائرية , كما تورطّ في إلغاء الإنتخابات التشريعية وإغتيال الرئيس محمد بوضياف . و كان عبد العزيز بوتفليقة و من خلال إعادته إلى الرئاسة إلى ايجاد نوع من توازن القوى بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية و عودة العربي بلخير الى قصر الرئاسة مؤشر على استمرار حلقات الضياع في الجزائر , و الضياع الأكبر هو عودة أحمد أو يحي الفرانكفوني العتيق ورئيس الحزب الذي أوجدته السلطة الجزائريّة وأرتدت عليه مؤقتا وهو التجمع الوطني الديموقراطي الذي دخل في صراع مع حزب جبهة التحرير الوطني وكلاهما إبني السلطة المدللين لكنّهما أبناء بدون وفاق ومحبة , وربّما خير مصداق للحكمة المعروفة : الثورة تأكل أبناءها هو الجزائر ومعها بقية الدول العربية , التي تحولّت فيها الثورات إلى لعنات ونكبات , و هكذا نجح المستعمر القديم ومن خلال أبناء جلدتنا الذين أوصلهم إلى دوائر القرار في جعل المواطنين الجزائريين والعرب يأسفون للثورة عليه , مادام الخلف الوطني أسوأ من السلف الإستعماري .
في تأسيس الدولة العبرية !
لعب يهود المغرب العربي أدوارا كبيرة وعملاقة في التمهيد لتأسيس الدولة العبرية في فلسطين المحتلة ومنذ انطلاقة الاستراتيجية الصهيونية في مدينة بازل السويسرية سنة 1897 وهم يعملون على تفعيل مشروع الحركة الصهيونية القاضي بإنشاء دولة اليهود الموعودة في فلسطين المحتلة . وقبل انخراط يهود المغرب العربي في هذه اللعبة السياسية كانوا ضالعين في صناعة الذهب والفضة وأتقنوا هذه الحرفة إلى درجة أنّ أحد ملوك المغرب العربي كلف بعض اليهود في سكّ عملة المسلمين الذهبيّة , وشيئا فشيئا أصبح النشاط الاقتصادي لليهود متميزا وحتى المرأة اليهودية انخرطت في مجالات العمل وتحصيل الأموال في وقت كانت فيه المرأة المغاربية ترزح بين الجدران الأربعة .وعندما تعرضت منطقة المغرب العربي إلى الاستعمار الفرنسي ازداد نفوذ اليهود الاقتصادي على اعتبار أنهم قدموا كل الدعم للاستعمار الفرنسي بحكم معرفتهم الكاملة بتفاصيل الناس والأشياء والعادات في المغرب العربي و قد منحتهم السلطات الفرنسية الجنسية الفرنسية , كما منحتهم الضوء الأخضر للقيام بكل ما في وسعه لخدمة القضية الصهيونية و تكريس المشروع الصهيوني . ويفيد الباحث حاييم الزعفراني أنه كان يطلق على اليهود صنّاع الصياغة في النصوص العبرية اسم -صورفيم – وبالعربية الذهابين وكان جودا بن عطّار واحدا من أمهر الذهابين المغاربة في القرن التاسع عشر وكان جودا بالإضافة إلى عمله في صناعة الذهب قاضي قضاة ورئيس المحكمة الربيّة . هذه الخلفية التاريخية التي أكدتها الوثائق اليهودية كما المغاربية تبين أن اليهود كانوا ممسكين بعصب الحياة الاقتصادية في المغرب العربي . و عندما انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السوسرية سنة 1897 برئاسة تيودور هرتزل , شارك في هذا المؤتمر مجموعة من يهود المغرب العربي الذين قدموا دراسة عن وضعية إخوانهم في المغرب العربي وأفادت هذه الدراسة أن عدد يهود المغرب العربي يبلغ 150,000يهوديا – مائة وخمسون ألف يهودي – وحسب الدراسة فان دورهم سيكون بالغ الأهمية في قيام الدولة العبرية وكانت المهام الموكلة بهم تتمثل في جمع المال للمشروع الصهيوني ونقله الى المنظمة الصهيونية العالمية واقامة تجمعات ومنظمات سياسية , وبناءا عليه تأسست منظمات في الجزائر والمغرب وتونس من قبيل الفيديرالية الصهيونية التي تأسست في تونس بتاريخ 22 تشرين الأول –أكتوبر –1920 وفي الوقت نفسه وتحت الرعاية الفرنسية تشكلت مثل هذه الفيديراليات في بقية الدول المغربية حيث نشطت في جمع المال وتوعية اليهود بأهمية أن تكون لهم دولة , كما كانت هذه المنظمات تضطلع بتوزيع المنشورات والكتب التي تدعو للفكر الصهيوني , كما كانت هذه المنظمات تشارك في أعمال المؤتمرات اليهودية العالمية , فعلى سبيل المثال كان اليهود الجزائريون يشاركون بقوة في أعمال المؤتمر اليهودي العالمي وتحديدا في المؤتمرات 23-24-25- و المؤتمر الصهيوني العام الذي أقيم في القدس سنة 1960 . وقد كان يهود المغرب العربي براغماتيين الى أقصى درجة ففي عهد الملوك المغاربة كانوا يتقربون الى هؤلاء الملوك بتقديم هدايا من ذهب يسيل لها لعاب الملوك , وعندما وصل الفرنسيون الى المغرب العربي هللوا لهم وكانوا في طليعة الداعمين لهم بحكم معرفتهم بالواقع التاريخي والجغرافي للمنطقة المغاربية. ورغم أن فرنسا اصطحبت معها عشرات الآلاف من اليهود عقب مغادرتها المغرب العربي ومنحتهم كل حقوق المواطنة الفرنسية , إلا أن بعض الآلاف فضلوا البقاء في المغرب العربي وأنفتحوا على النظم الوطنية الفتيّة وقد استغلوا علاقتهم بالشباب المغاربي التكنوقراطي الذي درس في الجامعات الفرنسية وأتقن اللغة الفرنسية وأستوعب الثقافة الفرانكوفونية ووجد نفسه في دوائر القرار بحجة أن العهد الثوري الجديد هنا وهناك من دول المغرب العربي في حاجة الى خبراء ومعظم هؤلاء الخبراء درسوا في الجامعات الفرنسية . وقد نسج بعض اليهود علاقات مع بعض الشخصيات السياسية المغاربية إلى درجة أن بعضهم صار وزيرا للبناء مثل ألبير بيسي الذي كان صديقا للحبيب بورقيبة و عينه وزيرا في الحكومة التونسية الفتية أو أندريه أزولاي مستشار الملك المغربي الراحل الحسن الثاني والذي يواصل عمله مع الملك المغربي الشاب محمد السادس وجيش من اليهود المغاربيين الذين بات لهم تغلغل في كل الوزارات والدوائر . وقد تورط الكثير منهم في قضايا تجسس لصالح الدولة العبرية لكنّ الحكومات المغاربية لا تريد أن تفصح عن هذه الملفات لارتباطها بالأمن القومي من جهة و لأن هذه الأحداث ترتّب عليها لقاءات واتصالات في عواصم أوروبية والكشف عن هذه الاتصالات من شأنها أن يزيد في تعرية النظم المغاربية المتأكدة قلبا وقالبا من عدم إستمزاج الشعوب المغاربية لفكرة التطبيع أو مجرد الاتصال بالدولة العبرية . ففي تونس على سبيل المثال تحرك بعض اليهود التونسيين لرصد تحركات الكوادر الفلسطينية , و نجحت السلطة التونسية في اعتقال بعض الجواسيس لصالح الدولة العبرية لكن أطلق سراحهم بعد ضغط عبري ووساطات قام بها الربي التونسي الأكبر وهو زعيم الطائفة اليهودية في تونس وعندما أطلق سراح هؤلاء الجواسيس بعث هذا الربّي برقية إلى الكنيست الإسرائيلي في تل أبيب جاء فيها أن يهود تونس بألف خير , وفي الجزائر كلف الموساد من يرصد صيرورة الأمور في عين وسارة النووي وقد أعتقلت المخابرات الجزائرية بعض من كلف بهذه المهمة وفي المغرب اليهود هم أصحاب الدار تقريبا يعقدون مؤتمراتهم بلا إزعاج من أحد . والإسهام في تقديم الخدمات من قبل اليهود المغاربة للدولة العبرية تواصل حتى لما استقلت الدول المغاربية . وربما الخدمات الحالية تفوق بكثير ما تمّ تقديمه في السابق !
تدور في المغرب العربي حرب خفيّة وباردة إلى حدّ ما بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت تنعكس على العلاقات الفرنسية –المغاربية بشكل عام مؤشرة إلى أن اللاعب الأمريكي استطاع بجدارة التسلل الى الملعب المغاربي والذي ما فتئت فرنسا تؤكد أنه من صلاحياتها دون غيرها , و فرنسا الرسمية التي تشن تصريحات يفهم منها عدم رضاها على وضعية حقوق الانسان في تونس وموريتانيا والجزائر والمغرب وليبيا ,ترفض الجهر بامتعاضها من التسهيلات التي بدأت تعطيها بعض هذه الدول المغاربية لأمريكا وموضوع حقوق الانسان في المغرب العربي الذي تثيره فرنسا هو مجرّد لهو حديث لأن الكلاب الفرنسية أفضل حالا من المهاجرين من المغرب العربي في فرنسا . و مخاوف فرنسا من فقدها للمغرب العربي متشعبّة منها السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الجيوسياسية . الى وقت قريب كانت فرنسا هي المحتكر الوحيد للأسواق المغاربية تمدها بكل صغيرة وكبيرة وحتى تبقي على هذا الاحتكار كانت تقدم مساعدات لبعض الدول المغاربية لابقائها دوما في الدائرة الفرنسية , فعلى سبيل المثال قدمت فرنسا منذ 1994 مساعدات كمنح لموريتانيا قدرت بمبلغ 900 مليون فرنك , لكنّ هذه المساعدات تقلصت بعد بداية التقارب الموريتاني- الأمريكي وفتح واشنطن أبوابها لنواكشوط عقب استئناف علاقاتها مع الدولة العبرية , صحيح أن واشنطن تبحث عن المواقع التي فيها موارد أولية لكن موريتانيا تتمتع بموقع استراتييجي مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكيية . و في تقرير سابق كان قد كتبه أحد المستشارين للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران جاء فيه أن كل فرنك تدفعه فرنسا لافريقيا – والمقصود هنا شمال افريقيا أيضا أي المغرب العربي –تسترجع مقابله فرنسا عشر فرنكات ! وذلك في اشارة الى حجم الأرباح التي تجنيها فرنسا من إفريقيا . وحتى الموارد الطبيعية كالنفط والغاز فان الشركات الفرنسية هي التي كانت مسيطرة عليها تنقيبا وتسويقا واحتكارا .أما الان فالشركات الأمريكية باتت الأكثر حضورا في مواقع النفط والغاز وعلى الأخص في الجزائر . وعلى الصعيد الثقافي فان اللغة الأنجليزية باتت تنافس اللغة الفرنسية التي كانت سيدة الموقف وبلا منازع ولأجل هذا تحركت الدوائر الفرنسية ومنها منظمة الفرانكفونية العالمية لاعادة الاعتبار للغة الفرنسية ووقف الزحف اللغوي الأنجليزي للمغرب العربي . وفرنسا التي حظرت اللغة العربية في المدارس الفرنسية تطالب دول المغرب العرب بضرورة اعطاء تسهيلات للغة الفرنسية في المغرب العربي وجاءها الرد هذه المرة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي قال أن على فرنسا أن تتصالح مع اللغة العربية في مدارسها وبعد ذلك تطالبنا بتسهيلات للغة الفرنسية . وعلى الصعيد الجيوسياسي فان فرنسا تعتبر المغرب العربي هو بوابتها على افريقيا التي فقدت فيها فرنسا كل أو بالأحرى جل مواقعها و اخراجها من هذا الحزام هو بمثابة انهاء وجودها التاريخي العريق في افريقيا . وتخشى الدوائر الفرنسية أن يؤدي تدفق الشركات الأمريكية على المغرب العربي الى نكسة للاقتصاد الفرنسي الذي يعوّل كثيرا على الأسواق المغاربية ومعروف أن هذه الأسواق تستورد كل صغيرة وكبيرة من المواد الغذائية والزراعية والأدوات الكهربائية و السيارات وغيرها من فرنسا .وقد بات مألوفا بين المغاربيين النكتة التي تقول أن البواخر الفرنسية المحملة بالحنطة لو تأخرت يوما واحدا في الوصول الى الموانئ المغاربية فان الشعوب المغاربية لن تجد ما تخبزه وبالتالي ما تأكله , وهذا التداخل بين فرنسا واقتصاديات الدول المغاربية أفرز طبقة رسمية متنفذة تقتات من السمسرة والعمولات المقدمة من الشركات الفرنسية الى درجة أن بعض المسؤولين في بعض الدول المغاربية يرفضون شراء بضائع معروضة عليهم من دول غير فرنسا بأثمان زهيدة لكن العروض تهمل نظرا لأنّ المعنيين بالاستيراد لا يرجون عمولة مزجاة من الدول العارضة وهؤلاء تربطهم بالدوائر الفرنسية أوشج العلاقات ولديهم في باريس حسابات يسهل الضخ فيها بعيدا عن أعين المواطنين المسحوقين في المغرب العربي . وفي الوقت الذي تسعى فيه باريس لتجذير مصالحها الاقتصادية والثقافية في المغرب العربي , فانّ لواشنطن بعدا أخر غير هذين البعدين – وان كانت عينها جاحظة على الموارد الطبيعية الغنية في الشمال الافريقي – وهو البعد الاستراتييجي حيث تشير بعض الدراسات الأمريكية ومجلة فرين أفرز الأمريكية المتخصصة في القضايا الدولية أن منطقة المغرب العربي حساسة لدوائر القرار الأمريكية التي وضعت دراسة برمتها في كيفية زحزحة فرنسا عنها , ويرى بعض المراقبين في المغرب العربي أن الفترة المغاربية المقبلة ستكون أمريكية خصوصا وأن الرئيس التونسي الحالي زين العابدين بن علي علاقته بالأمريكان أقوى منه بالفرنسيين فهو أكمل تكوينه العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية ولدى عودته من هناك بدأ نجمه السياسي يسطع وبدأ نجم بورقيبة الفرانكفوني –الفرنسي- يخفت , والملك محمد السادس كما أبوه علاقته بالأمريكان أمتن الى درجة أن الكونغرس الأمريكي اعتبر المغرب بلدا نموذجيا في الوقت الذي تتهم فيه وسائل الاعلام الفرنسية الرباط بأنها تنحر حقوق الانسان جهارا نهارا , وعبد العزيز بوتفليقة يحظى بدعم أمريكي مباشر الى درجة أن المناورات العسكرية البحرية بين القوات الأمريكية والجزائرية على السواحل الجزائرية قد تكثفّت بشكل ملحوظ في المدة الأخيرة ,والتطبيع بين واشنطن ونواكشوط يضطرد بسرعة الأمر الذي أغاظ باريس وجعلها تعتقل بعض المسؤولين الموريتانيين على أراضيها بدعوى انتهاك حقوق الانسان في موريتانيا , أما ليبيا فهي وجدانيا أقرب الى واشنطن منه الى باريس وقد بدأت دوائر أمريكية تكشف عن محطات تعاون بين الأجهزة الأمنية في تل أبيب وطرابلس الغرب وتقديم هذه الأخيرة لمعلومات تتعلق بتنظيمات فلسطينية كانت تحظى بالدعم الليبي في يوم من الأيام , والزحف الأمريكي باتجاه المغرب العربي يتم بسرية مغلقة وتامة الى درجة أن باريس كلما تستيقظ صباحا تجد أن ضفتها الجنوبية –المغرب العربي – تنزاح بهدوء باتجاه الهوى والهواء الأمريكيين ,وهذا ما يجعل فرنسا متحمسة لفكرة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية لكن مالم تحققه باريس في مواقع أخرى من العالم لا يمكن أن تحققه في المغرب العربي !
ماذا جرى في موريتانيّا لم يتمكّن النظام الموريتاني بقيّادة معاوية ولد طايع من تحقيق التقدمّ السياسي والإقتصادي لمورتانيا شأنه شأن العديد من النظم العربية التي حققّت العديد من التراجعات الكبيرة والتي أفضت إلى إحداث إحتقان شديد في الواقع السياسي والإجتماعي , فسياسيّا ظلّت المؤسسّة العسكريّة الموريتانيّة والتي يتزعمهّا دستوريّا الرئيس الموريتاني معاوية ولد طايع تشرف على تفاصيل صناعة القرار مبعدة بذلك كل القوى السياسية الموريتانية وتحديدا القوى الوطنية والإسلاميّة التي تشكّل الرقم الأقوى في المعادلة السياسية الموريتانية , و كان النظام الموريتاني يتعامل مع الوطنيين العروبيين والإسلاميين تعاملا خاصا و كثيرا ما كان يقصيهم عن المؤسسات السياسية ومؤسسات القرار بل كان يستأصلهم تماما كما فعلت السلطة الجزائرية مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ عقب فوزها في الإنتخابات التشريعية الملغاة في الجزائر سنة 1992 . ولم يكتف النظام السياسي الموريتاني بحرمان التيارات الوطنية والإسلامية من المشاركة الإيجابية في الحياة السياسيّة , بل قررّ النظام الرسمي الموريتاني وبدون الرجوع إلى البرلمان إقامة علاقات سياسية وإقتصادية وأمنية مع الكيان الصهيوني , و أصبحت السفارة الإسرائيلية محروسة بكثافة من قبل عناصر الأمن الموريتاني في قلب العاصمة الموريتانية نواكشوط , و قد أفضت هذه العلاقات الثنائية بين النظام الموريتاني والكيان الصهيوني إلى قطع كل جسور التواصل بين المعارضة الموريتانية الوطنية والإسلامية والنظام الموريتاني , و قد تفاعل النظام الموريتاني بعد ذلك مع أحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001 في أمريكا متبنيّا النهج الأمريكي في التعاطي مع الحركات الإسلاميّة و شنّ حملة إعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين والوطنيين وجرى تعذيب المعتقلين بشكل وحشي كما إعترف بذلك العديد من المعتقلين السيّاسيين . و إنفتاح و موريتانيا على الكيان الصهيوني وبعد ذلك على المشروع الأمريكي الأمني القاضي بملاحقة كل ما يمتّ بصلة إلى الإسلام أوحى لكثير من الضبّاط الموريتانيين الشباب بضرورة التحركّ خصوصا وأنّ العديد من الضبّاط الشباب هم من الذين تشبعّوا بالثقافة العربية والإسلامية وكانوا مستاءين إلى أبعد الحدود من التوجهات السياسية لنظام بلادهم الذي عزل موريتانيا بالكامل عن محيطها العربي والإسلامي و تجرأ في أوج الإنتفاضة الفلسطينية أن يوفد رسمييه إلى الكيان الصهيوني لإعطاء الشرعية لرئيس الوزراء الصهيوني آرييل شارون . و تعليقا على المحاولة الإنقلابية التي جرت في موريتانيا والتي قادها عقيد عسكري سابق في سلاح المدرعّات الموريتاني وهو العقيد صلاح ولد حنّانة الذي أقيل من الجيش الموريتاني في السنة الماضية بسبب توجهاتّه القومية المعارضة للدولة العبريّة و الذي كان معارضا بشدّة لإقامة علاقات رسميّة بين نواكشوط وتل أبيب , قال العسكري المغربي أحمد رامي المقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم و قد كان أحمد رامي يشرف على سلاح المدرعات في الجيش المغربي وأشترك في المحاولة الإنقلابيّة التي قادها الجنرال أوفقير ضدّ الملك المغربي الراحل في تمّوز – يوليو من عام 1972 والذي فرّ إلى العاصمة السويدية ستوكهولم بعد فشل المحاولة وحصل فيها على حقّ اللجوء السياسي أنّ المحاولة الإنقلابية التي شهدتها موريتانيا كانت متوقعّة بسبب وجود تململ داخل صفوف الضبّاط الشباب الذين لم يقبلوا على الإطلاق بسياسة رئيس بلادهم معاويّة ولد طايع الذي إنفرد بإقامة علاقات رسمية مع الدولة العبريّة متجاوزا بذلك توجهات الشعب الموريتاني ذات البعدين العربي والإسلامي , و إستطرد رامي قائلا إنّ القيادات المركزيّة في الجيش الموريتاني قيادات علمانية فرانكفونية – مشبعة بالثقافة الفرنسية – وتخرجّت من الأكاديميات العسكرية الفرنسية غير أنّ جيل الشباب في الجيش الموريتاني هم من الذين أتيحت لهم فرصة التعرّف على الثقافة العربية والإسلامية وبالتالي من المتفاعلين مع هذه الثقافة . ورغم المحاولات التي بذلها معاوية ولد طايع لتطهير الجيش من العناصر المعارضة للعلمنة و التغريب والفرنسة إلاّ أنّه لم ينجح في إقامة مؤسسّة عسكرية بعيدة عن واقعها العربي والإسلامي , و دائما كانت المؤسسّة العسكرية وبحكم تكوينها الفرانكفوني تخشى العناصر العربية والإسلامية و أصحاب هذه التوجهات كان يتمّ بإستمرار طردهم من الجيش وإقالتهم قبل أن يصلوا إلى أعلى المراتب. وأستشهد أحمد رامي بتجربته عندما رفض رئيس الأركان المغربي في الستينيات طلبه بالإنضمام إلى الكلية العسكريّة في مدينة مكناس المغربيّة لأنّه كان من المعجبين بالتوجهات السياسيّة لجمال عبد الناصر و الكتابات الفكرية لسيّد قطب وتحديدا كتابه معالم في الطريق . وتفيد مصادر موريتانية أخرى شديدة الإطلاع على ما يجري في موريتانيا أنّ الوضع الموريتاني سيبقى هشّا حتى لو إستطاع المحيطون بالرئيس الموريتاني من إسقاط المحاولة الإنقلابيّة لأنّ الجيش الموريتاني يعجّ بالخلايا العسكريّة غير المنسجمة مع التوجهات الرسمية للنظام الموريتاني , وتستشهد هذه المصادر بالتاريخ الموريتاني الذي كان ينتج إنقلابات متواصلة والتي كانت من إنتاج محلي وأحيانا من إنتاج دول إقليمية مجاورة لموريتانيّا , ومهما حاول النظام في موريتانيا من فرض التوجهّات الشاذة على الشعب الموريتاني إلاّ أنّ الشعب الموريتاني المتمسكّ جدا بأصالته الإسلامية قد يفاجئ النظام القائم في أي لحظة .
و المحاولة الإنقلابيّة
التي جرت في موريتانيّا هي رسالة قويّة
على طاولة الرئيس الموريتاني معاوية ولد
طايع , فإماّ الإستمرار في النهج السياسي
المنفتح إلى أبعد الحدود على واشنطن وتل
أبيب وبالتالي توقع محاولات إنقلابية في
أي لحظة خصوصا في ظل توفر الأرضية والشروط
من داخل المؤسسّة العسكريّة , أو تغيير
النهج السياسي الذي أفضى إلى المحاولة
الإنقلابية و وضع إستراتيجية جديدة تتماشى
مع تطلعات الشعب الموريتاني ولا تتضارب
معه , و بدون ذلك ستبقى موريتانيا حبلى
بالمفاجآت كما كانت دائما !
كل الرهانات التي راهنت عليها موريتانيا جرّاء علاقاتها بالدولة العبريّة تلاشت ولم يحقّق الرسميون الموريتانيون ما كانوا يصبون اليه من خلال اقامة علاقات ديبلوماسيّة مع اسرائيل بل على العكس من ذلك ازدادت موريتانيا عزلة عن محيطها المغاربي ومحيطها العربي , ورغم كل ذلك فانّ مبعوثين من قبل أرييل شارون رئيس الحكومة الاسرائيلية يفدون الى نواكشوط سرّا تارة وجهرا تارة أخرى كما حدث قبل أسابيع . بهذه الجملة المختصرة يوجز سياسي موريتاني معارض الوضع الحالي في موريتانيا , فعلى الرغم من أنّ الدول المغاربية جمدّت ولو ظاهريّا علاقاتها بالدولة العبريّة الاّ أنّ نواكشوط ورغم مستجدات انتفاضة الأقصى والطلب المتكرر من الدول المغاربيّة بوقف العلاقات الاسرائيلية – الموريتانيّة الاّ أنّ نواكشوط لم تصغ لأحد , الأمر الذي جعلها معزولة الى أبعد الحدود عن محيطها المغاربي كونها تفرّدت في رفع سقف علاقاتها الديبلوماسية مع الدولة العبريّة دون وضع أحد في الصورة بل هو أمر دبّر بليل على حدّ ماذهب اليه رئيس دولة مغاربيّة . و كان الموريتانيون يتصوّرون أنّ خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تجعل الأمريكان يغدقون على موريتانيا بالخير الوفير والمساعدات المتواصلة , لكن وبحسب تعبير قوى المعارضة للتطبيع داخل موريتانيا فانّ دار لقمان مازالت على حالها ومازالت نواكشوط هي نواكشوط بكل تفاصيل مشاكلها الماديّة والسياسيّة والاجتماعيّة . والعجيب أنّ موريتانيا التي راهنت على التطبيع كمدخل لتجاوز محنتها الاقتصاديّة لم تشهد أرقامها الاقتصادية أي تقدّم , وحتى لما بادر أرييل شارون الى نهج ابادة الشعب الفلسطيني لم تحرك موريتانيا ساكنا رغم الاحتجاجات الواسعة من الشارع الموريتاني الذي ضاق ذرعا بسياسة معاوية ولد طايع التطبيعية . وأرييل شارون الذي يبدو مختنقا من الادانة العربية له حتى الرسمية منها , يحاول التنفيس في موريتانيا حتى لو كان شارون متيقنا أن نواكشوط ليست في وزن من يصححّ علاقة حكومته مع الدول العربية , ومع ذلك أوفد مبعوثين عنه الى موريتانيا للحديث عن مستقبل العلاقات الثنائيّة . ولأنّ دوائر القرار في نواكشوط عربيّة ولا تريد ايذاء الضيف , فلم نسمع تصريحا رسميّا واحدا من نواكشوط ضدّ الاجرام الصهيوني أمام مبعوثي شارون الى نواكشوط . بل انّ نواكشوط أوفدت رئيس ديبلوماسيتها الى تل أبيب لاستكمال عرس ذبح الأقصى وشارك رسميّوها في الاحتفال الضخم الذي أقامته السفارة العبريّة في نواكشوط بمناسبة ذكرى نكبة فلسطين . لقد كان حريّا بموريتانيا كما يقول معارضو التطبيع فيها أن تبادر الى التوبة السياسية وتطرد سفير الدولة العبرية فيها عسى هذا الموقف يصلح ما أفسدته السياسة الموريتانيّة التطبيعية سابقا . وموريتانيا التي تلقّت بانزعاج تضايق الدول المغاربيّة من علاقاتها مع الدولة العبريّة تهكمّت في كواليس الخارجية الموريتانية من هذه العنتريات , وفي زعم بعض الديبلوماسيين الموريتانيين فانّ الجسور مازالت قائمة وعلى أوجها بين بعض الدول المغاربية والدولة العبرية وأنّ حركة الكواليس نشيطة الى أبعد الحدود , وأنّ بعض الدول المغاربية التي جمدّت علاقاتها بالدولة العبرية أرسلت أكثر من رسالة تطمين الى تل أبيب وفيها أنّ الأزمة مؤقتة وأنّ هذا التصرف جاء نتيجة ضغوط من الشارع المحلي الذي لا يجب أن يصدم خصوصا في ظلّ تقافم البطالة وتدنّي المستوى المعيشي وأزمة السكن وغيرها من الأزمات , وكانت الدولة العبرية متفهمّة للوضع , لذلك لم يصدر منها انزعاج أو استنكار مادامت هذه المسلكية السياسية في حدود القول لا الفعل . والرسميون في نواكشوط يرون أنّه لا داعي لهذه المداهنات التي حسب رأيهم لا تزيد الطين الاّ بلّة . وفي ردّ هؤلاء الرسميين على اخفاق الرهانات الموريتانية فيقولون أنّ الخطوة التي أقدمت عليها موريتانيا مع الدولة العبرية لا يمكن أن تؤتي أكلها في المدى القريب , بل في المدى المتوسط والبعيد والمهم أنّ موريتانيا باتت في دائرة الاهتمام الأمريكي والحماية الأمريكية وأنّ أيّ دولة مغاربية تفكّر في ازعاج موريتانيا أو ضمّها كما كانت الرباط تفكّر في ذلك في الستينيّات والسبعينيّات فعليها أن تنظر تجاه واشنطن قبل أن تنظر تجاه موريتانيا . ولأنّ موريتانيا هي الحلقة الأضعف في المغرب العربي فانّها راحت تبحث عمّن يوفّر لها الطمأنينة والأمان , لكنّها أخطأت بنسبة 180 درجة عندما توجهّت الى الدولة العبرية لتحقيق الطمأنينة السياسيّة والاقتصاديّة . وسوف يأتي يوم تدرك فيه موريتانيا أنّ رهانها على الدولة العبرية كان كرهان بعض كبار السنّ في فلسطين على الجيوش العربية التي ستصل قريبا الى الأقصى الأسير وتحررّه من الأسر العبري !
ملف الإغتيالات السيّاسيّة في المغرب العربي ! أدّى فتح ملف المناضل السياسي المغربي المعارض المهدي بن بركة إلى إرباك واسع لدوائر القرار ليس في المغرب فحسب بل في تونس والجزائر وموريتانيا وليبيا , حيث هناك المئات من الشخصيات المغاربيّة المشابهة للمهدي بن بركة والتي تمّ تصفيتها في الداخل المغاربي وفي عواصم أوروبيّة متعددة مثل ألمانيا الغربية في ذلك الوقت وفرنسا و إسبانيا وايطاليا وغيرها من العواصم الغربيّة . وتأمل المعارضات في المغرب العربي إلى إعادة فتح كل ملفات التصفيات السياسية التي كان معارضون من الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس عرضة لها وفي أحايين كثيرة كانت الأجهزة الأمنيّة الغربية تتواطأ مه الأجهزة الأمنية المغاربية على الرغم من الخلاف الإيديولوجي والسياسي الذي كان سائدا بين هذه العواصم الغربية التي سهلّت أجهزتها عملية التصفيات ودول المغرب العربي وتحديدا في فترات الستينيات والسبعينيات وحتى في بداية الثمانينيّات . ففي الجزائر على سبيل المثال صفّت الأجهزة الجزائريّة محمّد خيضر في إسبانيا وكريم بلقاسم في ألمانيا وعلي المسيلي في فرنسا , والذين جرت تصفيتهم في الداخل لا يحصى عدهّم , وصفّت الأجهزة الليبيّة عشرات المعارضين الليبيين في بريطانيا وغيرها وأخر المختطفين من القاهرة كان منصور الكيخيا وزير خارجيّة ليبيا الأسبق الذي كان يحمل جواز سفر جزائري , وقد جرى اختطافه بمساعدة أجهزة عربيّة من القاهرة والى جهة مجهولة يعتقد أنّها ليبيا . وفي تونس تمكنّ نظام بورقيبة من تصفية عشرات الشخصيات السياسية التي كانت تعرف باليوسفيين نسبة إلى المعارض الرئيس للحبيب بورقيبة يوسف بن صالح الذي فرّ إلى الجزائر و أحتضنته القيادة الجزائريّة , وعندما كان زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في الجزائر في أوجّ قوة الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ أوفدت المخابرات التونسية فرقة النمور السوداء المتخصصّة في الاغتيالات خارج تونس لتصفيّة الغنوشي , وتمّ إبلاغه بمشروع التصفيّة من قبل جهات جزائرية فغادر إلى الخرطوم ومنها إلى لندن حيث يقيم كلاجئ سياسي . و حسب معلومات أكيدة كثيرا ما كانت تتّم عملية التبادل المعلوماتي بين بعض الأجهزة المغاربيّة وأخرى مماثلة في الغرب من قبيل معلومات عن لاجئين سياسيين من الباسك في الجزائر والمغرب , أو أعضاء من الجيش الجمهوري في ليبيا وبالمقابل تحصل الدول المغاربيّة على معلومات دقيقة عن معارضين مغاربيين في فرنسا و إسبانيا . وفي موضوع المهدي بن بركة كان هناك تنسيق كامل بين المخابرات الفرنسيّة والمخابرات المغربيّة , وكانت المخابرات الفرنسية تزوّد المخابرات المغربيّة بأدقّ المعلومات عن بن بركة واتصالاته والشخصيات التي يلتقيها وتحركاته , وقد لجأ العاهل المغربي السابق الحسن الثاني إلى استثمار علاقاته الوطيدة بكبار الرسميين في فرنسا , والتي تؤكد معلومات أكيدة أنّه كان يستضيفهم للشهر والشهرين يقضونّها في بعض قصوره في الرباط ومنهم الرئيس الفرنسي الأسبق جسكار ديستان , ولا يمكن تصوّر خروج شخص من الحدود الفرنسية بالسهولة التي تمّت بها اختطاف المهدي بن بركة , وقد اعترف مقربون من الجنرال أوفقير الذي كان وزيرا للداخليّة قبل أن يقود عملية انقلاب ضدّ الحسن الثاني ولقيّ حتفه بعدها أنّ هناك ثلاثة أجهزة أمنيّة شاركت في اختطاف المهدي بن بركة وهي المخابرات الفرنسيّة والموساد الإسرائيلي والمخابرات الفرنسية وأنّ العاهل المغربي الحسن الثاني كافأ الموساد الإسرائيلي بكمّ هائل من المعلومات عن مجموعة كبيرة من الفصائل الفلسطينية ورجالاتها الذين كانوا يستخدمون أسماء حركيّة في العديد من العواصم الغربيّة . و لا يزال في المغرب مصير مائتين شخصية معارضة مجهولا ويطالب المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف بالكشف عنهم جميعا حتى لو أدى ذلك إلى محاكمة الحسن الثاني وهو في لحده , وفي فرنسا كشف ضابط مخابرات جزائري سابق ويدعى هشام عبّود أنّ رئيس ديوان الرئيس بوتفليقة الجنرال العربي بلخير هو الذي أصدر أمره بتصفية المعارض الجزائري في باريس علي مسيلي ومعروف أنّ لبلخير علاقات وطيدة بالأجهزة الفرنسية منذ كان ظابطا صغيرا في الجيش الفرنسي في عهد الجنرال شارل ديغول . ومازال الجزائريون يبحثون عن ستة ألاف معارض سياسي خطفوا على امتداد الأزمة الجزائرية ومازال مصيرهم مجهولا . وفي تونس يطالب مئات العوائل بالكشف عن أبنائهم المخطوفين والذين لا يعرف عنهم شيئا . و تخشى الدوائر المغاربيّة أن يؤدي الاسترسال في فتح ملفات الاغتيال السياسي في المغرب العربي الى مبادرة معارضين مغاربيين في أوروبا الى رفع دعاوى ضدّ الحكّام المغاربيين في محكمة بروكسل التي تستعد لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون . وهذا التخوّف لم ينبعث من فراغ إذ توالت إلى عواصم المغرب العربي تقارير تفيد بأنّ هناك جماعات مغاربيّة معارضة بصدد إعداد ملفات مشفوعة بأدلّة وبراهين لتقديمها إلى المحكمة البلجيكيّة . وقد دعا وزير خارجيّة بلجيكا زعيم جبهة القوى الاشتراكيّة الجزائري حسين آيت أحمد ليسمع منه عن حقيقة تورط الجيش الجزائري في المذابح الجزائريّة خصوصا في هذه المرحلة التي تبحث فيها الجزائر عن شراكة مع الاتحاد الأوروبي . وإذا كان الفصل المتعلق بتورّط الأجهزة المغاربيّة في تصفية معارضيها مكشوفا , فهل تميط العواصم الغربيّة اللثام عن الأدوار الذي أضطلعّت بها أجهزتها في تصفية عشرات المعارضين المغاربيين لجأوا إلى الغرب للحصول على الأمان المفقود ! يحي أبوزكريا |