إن نائب الرئيس الامريكى ديك
تشينى عقد خلال الشهرين السابقين للحرب لقاءات مع
70 خبيرا اسرائيليا فى مختلف المجالات، ناقشهم
خلالها فى كيفية حسم المواجهة مع العراق. واشار
العديد من المعلقين الصهاينة الى ان تشينى "مبهور"
بمهنية الخبراء الصهاينة فى تقديم المعلومات. شاء
ربك ان تتسرب معلومات الدور الاسرائيلى الكبير فى
الحرب الراهنة، بينما يجزم مسؤولو الادارة
الامريكية بأن ذلك الدور لا وجود له. واذ لا
يفاجئنا النفى الامريكى، فان المفاجأة الحقيقية
تجسدها التفاصيل المذهلة التى عرفت عن حجم ومدى
الدور الاسرائيلى، الامر الذى يثير الف علامة
استفهام حول جوانبه الاخرى المسكوت عليها، التى لا
تزال فى طى الكتمان.
(1)
حين وقف جيمس موران عضو
الكونجرس الديمقراطى متحدثا فى مؤتمر ضد الحرب اقيم
باحدى كنائس ولاية فرجينيا، لم يكن يخطر على باله ان
الملاحظات التى ابداها حول دور اليهود فى اشعال نار
الحرب وقدرتهم على وقفها، ستتحول الى قنبلة تهز
اوساط العديد من الدوائر الامريكية،بعد ساعات قليلة
من نشر الخبر فى صحيفة " واشنطون بوست ". اذ رغم انه
تعرض لحملة هجوم وقمع شديدة، من المنظمات الصهيونية
ومن زملائه فى الكونجرس الذين تهمهم اصوات اليهود
واموالهم، ورغم ان وسائل الاعلام سعت الى تشويه
صورته، ونقبت فى حياته الشخصية بدءا من قصة طلاقه
وانتهاء بالقروض البنكية التى حصل عليها، الا ان ذلك
لم يغير من حقيقة ان القنبلة انفجرت بالفعل وان
اصداء دويها ترددت فى كل مكان.
أثير موضوع اليهود فى
الكونجرس، ونوقش علنا لاول مرة منذ سبعين سنة. فقد
سئل فى الموضوع كولن باول وزير الخارجية فنفى اى دور
لليهود فى حرب العراق او فى السياسة الخارجية
الامريكية. وكان ذلك ايضا موقف المتحدث باسم البيت
الابيض آرى فلايشر (يهودى ! ).
فى تقريرها عن الحدث قال
مراسل مجلة " المجلة " فى واشنطون عدد 3/23 ان كثيرا
من قنوات التليفزيون احجمت عن الخوض فى الموضوع،
ولكن معظم النقاش حوله جار على نطاق واسع على مواقع
الانترنت. ونقل المراسل عمن وصفه بانه مصدر يهودى
امريكى كبير تخوفه من المستقبل، وقوله : اذا قتل عدد
كبير من الجنود الامريكيين فى الحرب سترتفع الاصوات
متهمة اليهود بانهم المسؤولون عما جرى لهم، وهذه
ستكون كارثة كبرى.
لقد نشرت الصحف الامريكية
ان استاذا جامعيا يهوديا فى ولاية الينوى تلقى
خطابات تهديد من امريكيين سود، احدهم قال له : كم
عدد الجنود اليهود فى القوات الامريكية المسلحة، وكم
جندى اسود سيقتل من اجل اليهود، ومن اجل اسرائيل؟
ومن الاشارات النادرة التى
نشرت حول الموضوع ما كتبه الصحافى والسياسى بيو
كانان، الذى كان احد مرشحى الحزب الجمهورى لرئاسة
الجمهورية، فى مجلته " امريكان كونسير فاتف " قائلا
: لاول مرة بدأ الناس يتحدثون علنا عن شئ ظلوا
يهمسون به سرا. لاول مرة ظهرت حقيقة حزب الحرب
اليهودى. لاول مرة عرف الناس الصلة بين اسرائيل وحرب
العراق. لاول مرة هناك اسماء ووثائق واورد اسماء
اليهود القابضين على المواقع المهمة فى الادارة
الامريكية ).
هذه الاصوات التى تتحدث فى
العلن تظل استثنائية، لان القمع الشرس الذى يتعرض له
كل من يدوس لليهود على طرف يسكت كثيرين ويقطع
السنتهم. ذلك ان تهمة " العداء للسامية " تنتظر كل
من يخوض فى الموضوع او ينتقد اسرائيل بكلمة.
والتعميم غير المعلن الذى يعرفه الجميع وانصاعت له
الاغلبية يلخص المراد فى كلمات قليلة هى:اذا لم تؤيد
اسرائيل، فمن مصلحتك ولاجل سلامتك واستقرار مستقبلك،
ان تبلع لسانك وتلتزم الصمت !
(2)
الطريف فى الامر ان ملف
مساهمة اسرائيل ودورها فى اشعال نار الحرب مفتوح فى
وسائل الاعلام الاسرائيلية، التى ذهب بعضها بعيدا فى
الكشف عن مساحة كبيرة من خلفيات واسرار الترتيبات
الامريكية الاسرائيلية لكل ما نشاهده الآن، وما هو
مخطط للمستقبل. وقد توافر لى فى الاسبوع الماضى كم
من المعلومات المثيرة حول هذا الموضوع، تلقيتها من
مصادر داخل اسرائيل ذاتها، واخرى معنية بالرصد
والمتابعة فى الضفة الغربية وغزة.
من تلك المعلومات التى
ترددت على شاشات التليفزيون ان اسرائيل لعبت دورا
اساسيا فى دفع الادارة الامريكية الى شن الحرب على
العراق وتحديد اهدافها. وهى الخلفية التي نفيت بشدة
فى واشنطون كما اسلفنا.
اذ فى خلال الاسبوعين
الماضيين جرت الاشارة الى هذه المعلومة عدة مرات، من
خلال ما قدمته مراسلة القناة الاولى فى التليفزيون
كيرن نويبخ، وامنون ابراموفيتش كبير المعلقين
بالقناة. كما رددها مراسل القناة الثانية عودى سيجل.
والثلاثة اجمعوا فى روايات متقاربة على ان مشروع
الحرب من وضع ثلاثة من غلاة اليهود الامريكيين هم :
ريتشارد بيرل كبير مستشارى وزارة الدفاع، استقال
اخيرا من منصبه لاسباب مالية )، ونائبا وزير الدفاع
جون وولفوفيتز ودوجلاس فايث. فهم الذين صاغوا اهداف
الحرب، وقاموا بالدور الكبير فى حث الادارة
الامريكية على شنها. وبيرل وفايث محسوبان على خط
الليكود ويعملان لحسابه، اما السيد وولفوفيتز فهو
يقف الى يمين الليكود، حتى ان واحدا ممن يسمون "
حمائم " فى الليكود- ميخائيل ايتان - انتقده ذات
مرة، واتهمه بانه يحرج نواب الحزب بدفعهم الى تبنى
مواقف " غير معقولة " ازاء الفلسطينيين !.
اجمع مراسلو ومعلقو
القناتين التليفزيونيتين فى اسرائيل ان اليهود
الامريكيين الثلاثة عكفوا بعد شهر من تفجير مبنى
مركز التجارة العالمى فى نيويورك على الاجتماع بكل
من افرايم هلايفى الذى كان وقتذاك رئيسا للموساد ثم
تولى لاحقا منصب مدير " مجلس الامن القومى "
الاسرائيلى. وشارك فى تلك الاجتماعات رئيس شعبة
الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عاموس مالكا وخلفه
اهارون زئيفى فركش، الى جانب رئيسي قسم الابحاث فى
كل من الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية
باسرائيل.. وكان هدف الاجتماعات هو صياغة اهداف
الحرب الميدانية والاستراتيجية، وقد اتفق الجانبان
على تشكيل لجنة تنسيق عسكرية مشتركة تقوم اسرائيل
خلالها بتقديم كل ما يتطلبه الجهد الحربى الامريكى
وقت الحاجة.
بالتوازى مع ذلك، شكلت
لجنة اخرى للتنسيق السياسى، يقف على رأسها من الجانب
الامريكى بشكل خاص المستشارة لشؤون الامن القومى
كوندليزا رايس وتضم اعضاء من فريقها فى مجلس الامن
القومى، ومن الجانب الاسرائيلى دوف فايسغلاس مدير
مكتب شارون وبعض كبار موظفى وزارة الخارجية
الاسرائيلية، وقد تعاملت هذه اللجنة بالذات فى خلق
الظروف السياسية المساعدة على الحرب، وكان على رأسها
خطة " خريطة الطريق " (!!).
من الملاحظات المهمة فى
هذا الصدد ان اللجنة العسكرية المشكلة ضمت جنرالات
فى هيئة اركان الجيش الاسرائيلى الى جانب هيئة اركان
الجيش الامريكى، وكان ضمن الاخيرين الجنرال تومى
فرانكس قائد المنطقة الوسطى فى الجيش الامريكى، الذى
انيطت به مهمة قيادة الحرب على العراق!
حسب قنوات التليفزيون
الاسرائيلى، الى جانب اقرار عاموس مالكا رئيس
الاستخبارات العسكرية السابق الذى يعمل حاليا معلقا
فى القناة الاولى بالتلفزيون، فان مهمة اللجنة
العسكرية انحصرت فى نقطتين رئيسيتين هما : تقديم
معلومات استخبارية عن الاوضاع فى العراق تساعد على
حسم المعركة ضد بغداد - والمساعدة فى تقديم خطط
ميدانية للمساعدة فى الحرب.
(3)
إليك طائفة اخرى من
معلومات التواطؤ الاسرائيلى فى الحرب:
تبنى الامريكيون خطة
اسرائيلية لاغتيال الرئيس صدام حسين اطلق عليها اسم
"تسئيلم" هذا ما ذكرته عدة مرات قناتا التليفزيون
الاسرائيلى الاولى والثانية،اضافة الى شبكة الاذاعة
العامة المعروفة بـ " ريشيت بيت ". وهذه الخطة كان
قد وضعها اسرائيليون فى صيف عام 91 ، لتصفية حسابهم
مع الرئيس العراقى الذى كان اول من " تجرأ " واطلق
الصواريخ على اسرائيل ابان حرب الخليج الثانية حرب
(تحرير الكويت). وقد اشرف عليها الجنرال ايهود
باراك، الذى كان وقتذاك رئيسا لاركان الجيش
الاسرائيلى. وكانت هناك ثقة شديدة فى امكانية
نجاحها، نظرا لتوفر معلومات دقيقة عن تحركات الرئيس
العراقى واماكن تواجده، وتقرر ان تقوم بها وحدة "
سييرت متكال " - اى سرية الاركان - وهى اكثر الوحدات
نخبوية فى الجيش الاسرائيلى. وقامت عناصر تلك الوحدة
بالتدريب على تنفيذ الخطة فى منطقة تسمى " تسئيليم
بيت ". تقع على بعد 35 كليو مترا الى الجنوب الشرقى
من مدينة بئر سبع فى الجنوب، واثناء التدريب وقع خطأ
فنى اطلقت بمقتضاه احدى القذائف التى قتلت خمسة جنود
على الفور، فصدر قرار رئيس الوزراء آنذاك - اسحاق
شامير - بالغاء المخطط.